Monday, July 3, 2017

الحقيقة ... ليديا دايفز






عندما عدت من العمل إلى البيت، كانت هناك رسالة منه تعلمني أنه مشغول ولن يأتي، وسوف يتصل ثانية، انتظرت أن يتصل، وعند الساعة التاسعة ذهبت إلى حيث يسكن، وجدت سيارته، لكنه لم يكن في البيت، خبطت على باب شقته، لم أكن أعلم أي باب هو باب جراجه، فخبطت على كل أبواب الجراج، لكن لا جواب.  كتبت ملحوظة، وقرأتها أكثر من مرة، ثم كتبت ملحوظة أخرى وعلقتها على بابه.  في البيت كنت عصبية، عندي الكثير مما يتوجب فعله، كما أن لدي رحلة غدًا صباحًا، لكن كل ما أستطيع فعله أن أعزف على البيانو.
في العاشرة وخمس وأربعين دقيقة اتصلت ثانية، كان في البيت، عائدًا للتو من السينما مع حبيبته القديمة، وهي ما تزال عنده، قال إنه سيتصل ثانية، انتظرت. وأخيرًا جلست ودونت في دفتر ملاحظاتي أنه سيتصل، وعندها إما سيأتي، أو لن يأتي، وعندها سأغضب، وهكذا سيكون لدي إما هو أو غضبي، وهذا شيء جيد، وكما كان يحدث مع زوجي، كان في الغضب دوما راحة عظمى.
واصلت الكتابة بضمير الغائب وزمن الفعل الماضي، قلت: الواضح أنها كانت تحتاج إلى الحب، حتى لو كان حبًا معقدًا. اتصل ثانية قبل أن يتسنى لي الوقت أن أنهي ما بدأت كتابته، عندما اتصل كانت الساعة بعد الحادية عشرة والنصف بقليل، تجادلنا حتى منتصف الليل. كان كل ما قاله متناقضًا؛ مثلاً قال إنه لم يرد أن يراني لأنه كان يود أن يعمل، وأن يكون وحده، لكنه لم يكن يعمل، ولم يكن وحده أيضًا، لم تكن هناك من طريقه لجعله يضبط تناقضاته، وعندما بدأت المحادثة تبدو لي شبيهة بحوارات عديدة مع زوجي قلت سلام، وأغلقت الخط.
واصلت الكتابة، وأنهيت ما بدأت كتابته، حتى لو أن الغضب الآن لم يعد يبدو حقًا راحة عظمى. بعد خمس دقائق اتصلت لأخبره أني آسفة على كل هذا الجدال، وأني أحبه، لكنه لم يجب. وبعد خمس دقائق أخرى اتصلت، وأنا أفكر أنه ربما ذهب للجراج وعاد، لكنه لم يجب. فكرت أن أذهب إليه، وأبحث عن الجراج لربما كان يعمل هناك، حيث يضع مكتبه وكتبه، ويجلس للقراءة والكتابة. أنا في ثياب النوم، والساعة جاوزت منتصف الليل، وعليَّ أن استيقظ في الخامسة صباحًا، ومع ذلك ارتديت ملابسي، وقدت نحو ميل حتى منزله، خشيت أني عندما أصل إلى هناك سأجد سيارات أخرى لم أرها سابقًا خارج منزله، وستكون واحدة منها لحبيبته القديمة، وعندما وصلت كانت هناك سيارتان لم تكونا موجودتين من قبل، واحدة منهما واقفة بالقرب مما يحتمل أنه بابه، فكرت أنها هناك، درت حول المبنى الصغير، إلى حيث شقته، نظرت من الشباك؛ كان النور مضاءً، لكني لم أستطع رؤية أي شيء بسبب الستائر الثقيلة نصف المسدلة، والبخار على الزجاج، وكانت هناك أشياء في الغرفة مختلفة عما كانت عليه سابقًا في المساء. فتحت الباب الخارجي وطرقت، انتظرت، ولا جواب.
تركت الباب الخارجي مغلقًا تمامًا، وذهبت لتفقد صف الجراجات. وبينما كنت أمشي تجاه الجراج، فُتح باب خلفي، وخرج هو منه. لم أستطع رؤيته جيدًا بسبب الظلام في الزقاق الضيق بجوار بابه، كما أنه كان يرتدي ثيابًا داكنة، الضوء الخفيف الموجود كان خلفه، تقدم نحوي ووضع ذراعيه حولي دون أن يتكلم، اعتقدت أنه صامت لأنه مفعم بالمشاعر ويحاول تجهيز ما سيقوله، أفلتني، ومشى بقربي، ثم تقدمني إلى حيث تقف السيارات بجوار جراجه.
وبينما كنا نمشي إلى هناك، قال : بصي، ثم نطق اسمي، وأنا منتظرة منه أن يقول إنها هنا، وأن كل ما بيننا انتهى، لكنه لم يفعل، لدي إحساس أنه ينوي أن يقول شيئًا مشابهًا، على الأقل يقول إنها هنا، وأنه يظن أن هذا أفضل لعدة أسباب، لكنه بدلاً من ذلك قال إن كل الأشياء غير المناسبة التي حصلت الليلة كانت خطؤه هو، وأنه آسف. وقف وظهره لباب الجراج، ووجهه للضوء ووقفت أمامه وظهري للضوء، وعند نقطة ما احتضنني فجأة، حتى أن نار سيجارتي تطاير تجاه باب الجراج خلفه. عرفت لِمَ نحن هنا في الخارج ولسنا في غرفته، لكني لم أسأله حتى تصفو الأجواء بيننا، عندها قال إنها "لم تكن هنا عندما اتصلت بكِ، عادت لاحقًا"، وأن السبب الوحيد لوجودها هنا أن عندها مشكلة ما تقلقها، وأنه الوحيد التي تستطيع التحدث إليه بشأنها" لكنك لا تفهمين، هل تفهمين؟".
أحاول أن أفهم. لقد ذهبا إلى السينما، ثم عادا إلى بيته، عندها أنا اتصلت، وغادرت هي فاتصل هو ثانية، وتجادلنا، ثم اتصلت أنا مرتين، لكن كان قد ذهب لشراء بيرة "حسبما قال"، ثم جئت أنا إليه بينما كان عائدًا من مشوار شراء البيرة، وعادت هي أيضًا، وهي في غرفته الآن، لذلك نحن نتحدث بجوار الجراج، لكن أين الحقيقة؟
هل يعقل أنهما قد عادا في الفترة القصيرة بين مكالمتي الأخيرة ووصولي إلى بيته؟ أم أن الحقيقة أنه بينما كان يكلمني كانت هي تنتظر خارجًا، بجوار الجراج أو في داخله، أو في سيارتها، ثم أعادها هو ثانية، وعندما اتصلت للمرتين الثانية والثالثة سمع الرنين وتركه بلا إجابة، لأنه كان ضجرًا مني ومن الجدال معي؟ أم أن الحقيقة أنها غادرت فعلاً ثم عادت، وبقى هو وسمع الرنين وتركه بلا إجابة؟ أو أنه ربما أحضرها ثم ذهب لشراء البيرة، بينما كانت هي تنتظر وتسمع رنين التليفون؟ هذا احتمال بعيد، وعلى أيه حال أنا لا أصدق أنه كان هناك مشوار لشراء البيرة أصلاً.
كونه لا يخبرني الحقيقة دوما يجعلني لست متأكدة من أنه يقول الحقيقة أحيانًا، وعليه، أعمل على اكتشافها بنفسي، أحيانًا أستطيع اكتشافها وأحيانًا لا أعرف، ولن أعرف. وأحيانًا لأنه يقولها ويكررها مرات ومرات أقتنع، لأني لا أصدق أنه سوف يكرر الكذبة كثيرًا. ربما الحقيقة لا تهم، لكني أود معرفتها، حتى لو كان فقط لمجرد أن أصل لاستنتاجات عن بعض الأسئلة؛ كأن يكون هو غاضب مني أو لا، وإذا كان غاضبًا فإلى أي مدى، أو إن كان يحبني أو لا، وإلى أي درجة، وكم هو قادر على خداعي بما يفعله ويقوله.

No comments:

Post a Comment

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...