Wednesday, August 23, 2017

من زيلدا إلى فيتزجيرالد: كنتُ دومًا مريضة وكنتَ دومًا ثملاً



من زيلدا إلى فيتزجيرالد: كنتُ دومًا مريضة، وكنتَ دومًا ثملاً


ماريا بوبوفا
نشرت هذه الترجمة اليوم بملحق "بين نهرين" 





كان فرانسيس سكوت فتزجيرالد (1896-1940) وزوجته زيلدا (1900-1948) نجمين بارزين في المجتمع الأمريكي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، ولد الاثنان لعائلتين ثريتين؛ هو ابن لعائلة برجوازية صغيرة وهي ابنة قاضي المحكمة العليا في ألاباما.

 في مطلع شبابه التحق فتزجيرالد بلواء المشاة في الجيش الأمريكي، وفي ذاك الوقت 1918 التقى زيلدا ساير، في إحدى حفلات الرقص، ووقعا في الحب، لكن علاقتهما مرَّت منذ البداية بتقلبات عديدة. بعد أن نشر فتزجيرالد روايته الأولى "هذا الجانب من الجنة" تحوَّل فورًا إلى كاتب لامع يحتفي به الجميع، أما زيلدا التي كانت تقول إن "كل ما يهمها هو الحب" كانت تهتم للحياة أيضًا، تحب الرقص، والكتابة، والعيش بحرية، وتنوي أن تكون راقصة باليه مهمة. وبعد فترة لا بأس بها من القرب والبعد، وبعد أن ترك هو الجيش وعمل لصالح وكالة إعلانية تزوج الاثنان، في 3 أبريل 1920، بعد أسبوع واحد من نشر " هذا الجانب من الجنة". 

لم يكن الحب العاصف كافيًّا للشعور بالسعادة، وعلى رغم الرفاهية والسفر والنجاح، فلم يكتب لهما أن يعيشا حياةً هادئة، كانا يسافران معًا إلى أوروبا ويقضيان الوقت في التجول والاحتفال والكتابة، وكان لديهما ابنتهما " سكوتي"، لكن هذا لم يمنع تحول فتزجيرالد إلى شخص سكير على الدوام، ولم يمنع زيلدا، التي فشلت بعد الكثير من التدريبات والمحاولات أن تصبح راقصة مهمة، أن تتداعى، وتتكالب عليها الأمراض الجسدية والنفسية، وقد قضت بالفعل جزءًا كبيرًا من حياتها في المصحات والمستشفيات، بعد أن أصيبت بالفِصام.

وبعدما كان يقدم لها مسودات رواياته لتقرأها وتبدي رأيها فيها، كان لفتزجيرالد موقف رافض تمامًا لأن تكتب زيلدا رواية سيرية، تتناول حياتهما معًا. وهي الرواية التي كتبتها ونشرتها بالفعل بعنوان " اهدني رقصة فالس"، ما أغضبه كثيرًا، حيث كان يعمل وقتها على روايته " الليالي الحالمة"، الرواية التي تتناول حياتهما معًا كذلك، فطلب إليها ألا تنشر روايتها، وألا تستخدم حياتهما معًا مادة للكتابة، لكنها نشرتها، وعلق هو لاحقًا على الأمر بسخرية شديدة، قائلاً إن زيلدا كاتبة من الدرجة الثالثة. كان صاحب " جاتسبي العظيم" حادًا وغيورًا، خصوصًا بعد أن تورطت زوجته في علاقة عاطفية عابرة مع طيار فرنسي "إدوارد جازان". وتحول الحال بهما، بعد حياة صاخبة ونجاحات سريعة إلى رجل مفرط في شرب الكحول، انحسرت عنه الأضواء، وتجاهلت دور النشر رواياته الجديدة، وأخذ يكتب قصصًا بالقطعة في المجلات،  لينتهي الحال به مريضًا ووحيدًا، ويموت في عز شبابه "44 سنة"، وهي، الفتاة الممتلئة بالحياة والطموح صارت نزيلة دائمة في مصحات العلاج النفسي، ستموت شابة كذلك " 48 سنة" في حريق ينشب بالمستشفى الذي كانت تعالج به. 

هذه الرسالة، هي واحدة من عشرات الرسائل تبادلها فتزجيرالد وزيلدا، وقد كتبتها زيلدا وهي مريضة ونزيلة مستشفى جامعة برنستون، في نيون، وتناولت فيها حياتهما منذ البداية وحتى وصولها للعلاج في سويسرا. ولأنها كانت في حال سيئة فقد جاءت الرسالة مرتبكة، مكتوبة بطريقة التداعي الحر، ومليئة بالتكرارات والأخطاء اللغوية. مع ذلك فإنها احتفظت على رغم كل شيء بذاكرة حديدية، فوصفت كل ما مر بهما من أسماء وأماكن وأصدقاء وعراكات. عراكات كثيرة جدًا في الحقيقة.. (المترجمة).



قلت إنك تفكر في الماضي، مرت أسابيع ولم أكن أستطيع النوم لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات، مريضة وملفوفة بالضمادات، غير قادرة حتى على القراءة. في نيويورك كانت هناك غرابة وإثارة، بصحفييها وردهات فنادقها المختنقة، بالتماعة أشعة الشمس على عوارض الشباك، ولسع الغبار في أواخر الربيع، والولع بالزهور والكثير من الشاي والرقص وأطواري الغريبة في برنستون.
وكان هناك عيون تاونسند الزرقاء، وواقيات لودو الذكرية، والجذوع التي فاحت برائحة الطيب والمارشملو المميزة لبالتيمور. كان هناك دائمًا لودو وتاونسند وألكس وبل ماكاي وأنت وأنا. كنا سعداء، ولم نكن نحب رفقة النساء. وكانت هناك شقة جورج وكوكتيل الأبسنت، وشعر روث فندلس الذهبي في مشطه، وزيارتنا إلى سمارت ست، وفانتي فير، وعالم الجماعات الأدبية المنتفخ على نطاق واسع بفضل صحف نيويورك. كان هناك زهور، وكباريهات، ونصائح لودو التي كانت تلقي بنا دومًا إلى الريف.
ذات مرة في وست بورت تجادلنا بشأن الأخلاق، وتمشينا بجوار جدار الكولونيل تحت اللَّيلك النضر، وقضينا الليلة بكاملها نستمع إلى الآلات النحاسية والجيتار. وكانت هناك حانة على الطريق ابتعنا منها الجين، وكان هناك كيت وهيكس وماركوس، والمظلة اللامعة لنادي الجاودار الشاطئي. في عمق الليل سبحنا، وكان معنا جورج، قبل أن نتشاجر معه ونذهب إلى حفلات جون ويليمز، حيث الممثلات اللائي يتحدثن الفرنسية حين يكنَّ ثملات، وقتها عزف جورج على البيانو أغنية "احتضنيني أكثر".
كان هناك سروالي الأبيض القصير الذي أذهل كونكتكت، والسباحة في بركة الطيور بصندليّ، والشاطئ، وثلة من الرجال، وركوبنا المجنون للخيل بطول بوست رود، والرحلات إلى نيويورك. كنا نبدو يافعَيْن لذا لم نستطع الحصول على غرفة في فندق تلك الليلة، ساعتها ملأنا حقيبة السفر بدليل التليفون والملاعق والدبابيس والوسائد وذهبنا إلى مانهاتن. كنت متعلقة عاطفيًّا بتاونسند، لكنه سافر إلى تاهيتي، وكانت هناك حكاياتك مع جين بانكهيد وميريام. اشترينا سيارة مارمون مع هارفي فرستون، وذهبنا إلى الجنوب عبر مستنقعات فرجينيا المسكونة بالأشباح، والتلال الطينية الحمراء، وقيعان خلجان ألاباما. شربنا الويسكي فوق جناح الطائرة تحت ضوء القمر، ورقصنا في النادي الريفي وعدنا. كنت أرتدي الفستان الوردي الذي طار، والثوب الفضي الذي يشبه ملابس المسرح، ذلك الذي اشتريته مع دون ستيوارت، ثم انتقلنا إلى شارع 59، وتشاجرنا، فكسرت أنت باب الحمَّام وجرحت عيني. وكثيرًا ما ذهبنا إلى المسرح، ومررنا بالجليد في سنترال بارك، بعد أن لعبنا الكرة في ساحة بلازا، في بريفورت تشاجرت مع زوي، ثم ذهبت معها لشراء معطف لدايفيد بلاسكو. شربنا البوربون، وأكلنا ساندوتشات الخنزير، واحتفلنا بالكريسماس في أوفرمانز، وأكلنا كثيرًا في لافاييت.

وكان هناك توم سميث، وورق حائطه، ومينكن، واحتفالانا بالفالنتاين، والوقت الذي قضيته أرقص مع أليكس طول الليل. وأكلنا في مولاتس، حيث تزلجت أنا وجون، وقتها كنتُ حاملاً، وكتبت أنت رواية " الجميلة والملعون". 



وجئنا إلى أوربا، كنتُ مريضة ودائمًا ما أشكو. في لندن هتفنا مع شان ليزلي، وكانت الفراولة كبيرة بحجم الطماطم في كنيسة السيدة راندولف. كانت هناك ساق القديس جون إيرفنس الخشبية، وبوب هاندلي في غيوم سيسل. وباريس حيث الجو الحار، والآيس كريم الذي لا يذوب رغم الحرارة، وشراء الملابس. وروما، وأصدقاؤك من السفارة البريطانية، وشرابك، وشرابك.
 في سانت ريجز كان هناك " كلب" وغداء مع تاونسند وأليكس وجون. وألاباما والحرارة التي لا تحتمل، وشراءنا لمنزل تقريبًا.
 بعدها ذهبنا إلى سان بول وجاء مئات الناس للتلاوة. كانت هناك الغابات الهندية، والقمر على شرفة النوم، وكنتُ ثقيلة وخائفة من العواصف. 
بعدها وُلدت سكوتي، وذهبنا إلى كل حفلات الكريسماس، وسأل رجل ساندي"من صديقتك السمينة هذه؟"، وغطى الثلج كل شيء. 
أصبنا بالأنفلونزا، وذهبنا مرارًا إلى آل كالمان، ونمت سكوتي قويًّة. جاء جوزيف هيرجشيمر وذهبنا في أيام السبت إلى نادي الجامعة.

ارتدنا نادي اليخت وكان لكلينا بعض المغازلات البسيطة. بدأ جوي ينفر مني، لذا أفرطت في لعب الجولف مع تيتنيا. تقريبًا توفيّ كولي، وكان كلانا يقدره. جئنا إلى نيويورك وأجَّرنا منزلاً، عندما كنا في شدَّة من أمرنا. وكان هناك فال إنجلشف وتيد بارامور والعشاء في ميدان واشنطن وبيلز والدكتور لاكين، عندها تشاجرنا شجارًا حادًا لا أتذكر سببه، في القطار في طريق عودتنا، ثم أحضرتُ سكوتي إلى نيويورك. كانت مكتنزة وخفيفة الظل في معطفها الوردي وغطاء رأسها، ساعتها التقيتنا أنت عند المحطة.

في جريت نيك كان هناك دومًا الكثير من الاعتلال والمشاجرات حول نادي الجولف، أو حول فوكسس، أو حول بيجي ويبر، أو حول هيلين باك، حول كل شيء تقريبًا! 

ذهبنا إلى آل رامزي، في تلك الليلة الرهيبة عندما جلس رينج في غرفة المعاطف. رأينا إستر وجلين هانتر وجليبرت سيلديس.
 دعينا إلى العديد من الحفلات، كانت أكبرها حفلة ريبيكا وست، وشربنا بيرة. كنا دومًا ما نذهب إلى آل باك أو آل لاردنير أو آل سوبيس، عندما لم يكونوا هم ضيوف عندنا. شاهدنا الكثير من أعمال سيدني هوارد في عطلة نهاية الأسبوع التي قضاها بيل موتر معنا. 
كنا نشرب دومًا، وفي النهاية جئنا إلى فرنسا لأنه كان هناك العديد من الناس في المنزل. 
على متن القارب كان هناك دائمًا فضيحة تخص باني بيرجس، التقينا ناني ثم توجهنا إلى هيريس، كانت سكوتي وأنا مريضتين، هناك في الحدائق المتربة المليئة بنبات الحربة الإسبانية وزهور الجهنمية. 
ذهبنا إلى سان رافاييل، أنت كتبت، وسافرنا نحن إلى نيس أو مونت كارلو لبعض الوقت، كنا وحدنا، ودعينا إلى حفلات كبيرة لطيارين فرنسيين. بعدها كان هناك جوسين (إدوارد جازان، طيار بحري فرنسي تورطت معه زيلد فيتزجيرالد عاطفيًّا في صيف 1924)، وكنتَ غاضبًا ولك الحق في ذلك. ذهبنا إلى روما، وأكلنا في كاستيلي دي سيزاري.  
كانت الأوراق دائمًا رطبة، وكانت هناك أصداء الكريسماس، وتمشيات أبدية، بكينا حين رأينا الباب. كان هناك ظلال بينكو المضيئة، وأحذية الظباط اللامعة. 
ذهبنا إلى فراسكاتي وتيفولي، وكان هناك السجن، وهال رودس في فندق دي روسي، لم أكن أرغب في الذهاب إلى حفلة الرسوم المتحركة في الإكسلسيور، وطلبت من هانجري كوكس أن يوصلني إلى البيت. بعدها مرضتُ للغاية بسبب محاولاتي لإنجاب طفل في حين أنك لا تبالي، وعندما تحسنتُ عدنا إلى باريس. جلسنا معًا في مرسيليا، وفكرنا كم كانت فرنسا جيدة! عشنا في شارع تيلست، في ريد بلاش، وجاء تيدي لتناول الشاي، ثم ذهبنا إلى السوق مع آل مورفي. كان هناك آل ويمان وماري هاي وإيفا لا جاليني، وركوب الخيل في بوا فجرًا، وفي الليل لعبنا " القطة في الزاوية" في فندق ريتز. وكان توني هناك، في ليالي مونماتر.
 وذهبنا إلى أنتيب. آل مورفي كانوا في فندق دو كاب، وكنا نراهم باستمرار. ثم عدنا إلى باريس وبدأت ُ دروس الرقص، لأنه لم يكن لدي شيء آخر لأفعله. ومرضتُ ثانية بحلول الكريسماس، عندما جاء ماك ليشز ودكتور جروس قال إنه لا فائدة من محاولة إنقاذ مبيضيّ. كنتُ مريضة على الدوام، ولدي صور وأشياء كنتَ أنت بطبيعة الحال تبتعد عنها شيئًا فشيئًا. 
وجدتَ إرنست وكافيه دي ليلاس، وكنتَ حزينًا عندما أرسلني دكتور جروس إلى ساليس- دي بيم. في فيلا باكيتا كنت مريضة طول الوقت. أحضرت لي سارا أشياءً، ودعينا إلى الغداء في عند والد جيرالد. ذهبنا إلى كان، واستمعنا إلى راكويل ميللر، وتناولنا غداءنا تحت وابل من الألعاب النارية. لم تستطع الكتابة لأن غرفتك كانت رطبة، وتشاجرت مع آل مورفي، وانتقلنا إلى فيلا أكبر، وذهبت إلى باريس واستأصلت زائدتي الدودية، وكنت أنت ثملاً طول الوقت، واتصل بعض الرجال بالمستشفى وأخبروني عن العراكات التي خضتها.
ثم عدنا إلى البيت، أردتك أن تسبح معي في جوان لي بينز، لكنك فضلت أن يحدث ذلك عندما جاء جاير، مع المجموعة، ماريك هاملتون ومورفي وماك ليشز. بعدها التقيتَ أنت جريس مور وروث وشارلي، ومر الصيف هكذا، حفلاً بعد الآخر. تشاجرنا بسبب دوايت وي مان، وكثيرًا ما كنت تتركني وحدي. كان هناك العديد من الأشخاص، والعديد من الأشياء ينبغي فعلها، كل يوم كان هناك شيء، لكن منزلنا كان دائمًا ممتلئًا. كان هناك جيرالد وإرنست، ولم تكن تأني إلى البيت أغلب الوقت. ذات صباح وجدت في الطابق السفلي صندلاً إنجليزيًّا، ووجدت بوب وميوريل ووالكر وأنيتا لوس، كان هناك دائمًا شخص ما، أليس ديلمار وتيد روسو، ورحلتنا إلى سان بول، والرسالة التي جاءت من إيزادورا دنكان، والريف الذي ينسل بخفة عبر ضباب والمقابر في تشامبري فرايسيس، كان هذا هو صيفك. 
كنت أسبح مع سكوتي، عدا المرات التي كنت أتابعك فيها، غالبًا دون قصد. بعدها أصبتُ بالربو، وكدت أموت في جنوا، وعدنا إلى أمريكا، أبعد مما كنا من قبل. في كاليفورنيا، وبينما لم تكن تسمح لي بالذهاب وحدي إلى أي مكان، تورطتَ بعلاقة عاطفية فاضحة! وقلت إنك لم تعد تريد مني شيئًا في حياتك، مع أنك تظاهرت بالغضب حين اقترح كارل أن أذهب للغداء معه هو وبيتي كومبسون.
جئنا إلى الشرق، عملت في إلرسلي، واعتبرتها وظيفة. وأقمنا أول حفل في منزلنا، وأنت ولويس، وعندما لم يكن هناك شيء لفعله في البيت، بدأت دروس الرقص. لم يعجبك هذا، خصوصًا وأنت ترى أن فيها ما يسعدني، كنت غاضبًا من البروفات وضاغطًا وقت التمارين. وذهبت إلى نيويورك لترى لويس، وقابلتُ أنا ديك نايت، الذي تعرفت عليه في حفل بول موراند. ثانيةً وعلى الرغم من تورطك في علاقة عاطفية مشبوهة، إلا أنك منعتني من روية ديك، وكنت غاضبًا عندما أرسل لي خطابًا. لاحقًا على المركب، لم تعرني مطلقًا أي انتباه، انتبهتَ فقط لترفض السماح لي بالبقاء حتى الكونشيرتو، مع - أيا كان اسمه.




أفكر أن المشهد الأكثر إهانة ووحشية الذي حدث لي في حياتي كان في جنوا، وأنت بالتأكيد لا تتذكره. عشنا في شارع فوجيرارد، وكنتَ ثملاً باستمرار، لم تكن تعمل، ويجرك سائقو التاكسي إلى البيت في الليالي القليلة التي كنت تعود فيها إلى البيت في النهاية. 

قلت إنها كانت غلطتي أني أرقص طول اليوم، ماذا كان ينبغي عليَّ أن أفعل؟ كنت تأتي للغداء، ولا تتقدم نحوي خطوة واحدة، وتشكو من أنني شخص غير متجاوب، كنتَ سكرانًا دائمًا وأبدًا طول الصيف. ووصلتُ أنا إلى درجة أني لم أعد أستطيع النوم، وأصبتُ بالربو ثانية. كنتَ غاضبًا عندما لم أذهب معك إلى مونماتر، وكنت تحضر طلابًا ثملين إلى البيت لتناول الطعام، وتكون موجودًا من أجلهم، وتغضب عندما فقدت قدرتي على تحمل المزيد من هذه التصرفات. وبينما كان القارب في طريقه للعوده، بدأت أعجب بإيجوروا، وأخبرتك أني كنت خائفة من أن يكون في علاقتنا شيء من الخلل، لكنك ضحكت. كان هناك فضيحة بخصوص فيلبسون، لكنك لم تحاول حتى أن تساعدني، أحضرت فيليب ثانية، ولم أعد أستطيع إدراة المنزل أكثر من ذلك. وكان هو متمردًا وغير محترم في تعامله معي، ولم ترغب في السماح له بالرحيل. 

أخذت أزيد من جهدي في الرقص، ولم أفكر في شيء آخر عدا ذلك. كنتَ بعيدًا وقتها، وكنتُ وحدي تمامًا. 

عدنا إلى شارع بالنتاين، وفي غيبوبة سُكْر أخبرتني الكثير من الأشياء التي فهمتها بصعوبة، لكني فهمت العشاء الذي تناولناه عند إرنست، فقط لم أفهم أنه كان مهمًا. تركتني وحدي مرارًا، على رغم أنك كنت دومًا تشكو من الشقة أو من الخدم أو مني، تعرف السبب الحقيقي لكونك لا تستطيع العمل، أنك كنت دائمًا في الخارج لأكثر من نصف الليلة، وأنك كنت مريضًا وثملاً طول الوقت.

ذهبنا إلى كان، وبقينا على المنوال ذاته، أكمل دروسي، ونتعارك. 





لم تدعني أطرد الممرضة التي كنا نكرهها أنا وسكوتي. وفضحت نفسك في حفل آل باري، وفي اليخت في مونت كارلو، وفي الكازينو مع جيرالد ودوتي. كم من الليالي لم تأت فيها إلى البيت، لمرة واحدة فقط خلال الصيف أتيتَ إلى غرفتي، لكني لم أكترث، كنت قد ذهبت إلى الشاطئ صباحًا، وكان عندي دروسي في الضهيرة، وتمشيتي في الليل. كنت عصبية، ومريضة تقريبًا، لكني لم أعرف فعلاً أين المشكلة. كل ما أعرفه أني كنت أعاني صعوبة في الوقوف مع الكثير من الناس، مثلما حدث في حفل و م ج.

أردت أن أعود إلى باريس مع  آل لوك، تناولنا الغداء عند آل مورفي، وأخبرني جيرالد بوضوح عدة مرات أن نيمتشنوفا كان في أنتيب، كنت ما أزال لا أفهم. عدنا إلى باريس، وكنتَ بائسًا بسبب سوء حال رئتك، ولأنك أضعت الصيف في لا شيء. لكنك لم تتوقف عن الشرب، وصرتُ أنا أعمل طول الوقت، لأني أصبحت أعتمد على إيجوروا. كنتُ لا أستطيع السير في الشارع إلا للذهاب إلى دروسي، ولم أكن أستطيع أن أدير أعمل المنزل لأني لم أكن أستطيع التحدث إلى الخدم. لم أكن أستطيع الذهاب إلى المتاجر لشراء الثياب، وتورطت عاطفيًّا بشكل تام. 

في فبراير، وعندما أصبت بالتهاب الشعب الهوائية واحتجت إلى التنفس الصناعي كل يوم، وأصبت بالحمى لمدة أسبوعين، كان عليَّ أن أعمل، لم أكن لأستطيع الوجود في هذا العالم دون ذلك. لا أزال عاجزة عن فهم ما كنت أفعله، لم أكن أعرف حتى ما الذي أريده. بعدها ذهبنا إلى أفريقيا، وعندما رجعنا بدأت أدرك الأمر، استطعت أخيرًا أن أفهم ماذا كان يحدث للآخرين. 

لم تردني. لمرتين تركت فراشي قائلاً "لا أستطيع.. ألا تفهمين؟" لم أكن أفهم. 

بعدها قابلت رجل هارفارد، الذي أضاع بوصلته، وعندما طلبت منك أن تأتي معي إلى البيت، قلت لي "نامي مع رجل الفحم".
في عشاء عند نانسي هويت، عرضت خدماتها عليَّ، لكن  وقتها لم يكن هناك شيء مهم في رأسي. كنت تقريبًا نصف ميتة، لذا عدت إلى الاستديو. كان لوكين قد أرسل بعيدًا، لكن لما كنت لا أعرف شيئًا عن الموقف، لم أعرف أن ثمة مشكلة. فقط واصلت طريقي، عاد لوكين، ثم سافر ثانية، ثم جاءت النهاية أخيرًا، عندما ذهبت إلى مالميسون. لم تساعدني، وأنا الآن لا ألومك. لكنك لو شرحت لكنت تفهمت، لأن كل ما كنت أريده هو أن أُترك لأواصل العمل. 
كان لديك اهتمامات أخرى: الشراب، والتنس، ولم نكن نهتم لأمر بعضنا بعضًا. لقد كرهتني لأني طلبت منك ألا تكثر في الشراب. جاءت فتاة للعمل معي، لكني لم أردها هي أيضًا. لا أزال أؤمن بالحب، وفجأة فكرت في سكوتي، وفي أنك دعمتني. في فالمونت كنت أتعذب، ورأسي مغلقة تمامًا. لقد قدمت لي الزهور وقلت إن الأمر كان "أصغر وأكثر اتساعًا"، لقد كنا صديقين، لكنك ابتعدت، وأنا مرضتُ أكثر، ولم يكن هناك من يعلّمني، وها أنا ذا، بعد خمسة أشهر من البؤس والحزن والكآبة، سعيدة أنك وجدت موضوع رواية " جوزفين" وأنك بدأت تهتم بالرياضة. 
ولما كنت لا أستطيع النوم نهائيًا، فلدي الكثير لأفكر به، وبما أني استطعت أن أذهب إلى هذا المدى وحدي، أعتقد أني أستطيع الاستمرار لبقية العمر. لكن لو تعلق الأمر بسكوتي، فلا أتمنى أن تختبر هذا الحجيم. لو أنني كنت الله، فلم أكن لأجد تبريرًا أو سببا للإعلاء من شأن ذلك، اللهم إلا القول إنه كان خطأً، بالطبع، أن أحب مدرّستي بينما كان ينبغي أن أحبك. لكنك لم تكن موجودًا لأحبك، ليس قبل وقت طويل من حبي لها. 
 لقد بدأت أعتقد أن الجنس والمشاعر لا علاقة لهما بعضهما ببعض. عندما جئتك مرتين في الشتاء، وطلبت منك أن نبدأ من جديد، لأني كنت أعتقد جديّا أني متورطة عاطفيًّا، كنت أرتب لموقف لم أكن اعتقد أني مهيأة له أخلاقيًّا ولا عمليًّا. كنت تغني أغنية عن الرجال الذين يبيعون أجسادهم للنساء. جئتك نصف مريضة، بعد غداء صعب في أرمونفيل، لكنك أبقيتني منتظرة لوقت طويل أمام مبنى جرانتي تراست،  لم تهتم، لذلك أكملت طريقي، أرقص وحدي، ومهما كان ما حدث، لا أزال في صميم قلبي أعرف هذه لعبة حاجدة وقذرة، وأن الحب مُر، وأن كل ما سيتبقى على وجه الأرض، هم المتسولون العاطفيون، وذلك تقريبًا ما يناسب الناس الذين يستثيرون أنفسهم بالبطاقات البريدية.

زيلدا.










No comments:

Post a Comment

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...