Wednesday, September 20, 2017

يوميات نازح.. جوناس ميكاس





يوميات نازح
ترجمة أسماء يس
في 1944، وبينما كان في سن العشرين، غادر جوناس ميكاس (المخرج التسجيلي البارز) قريته الصغيرة في ليتوانيا، ليقبض عليه النازيون برفقة أخيه ألدوفاس.
بدأ ميكاس حياته الأدبية محررًا بصحيفة محلية أسبوعية، ونشر أولى قصائده. كما شارك في إصدار نشرة مضادة للألمان، وكتب قصيدة مضادة لستالين؛ "خُتم مرتين".
بدأ جوناس وألدوفاس رحلتهما إلى فيينا، مستهدفيين الوصول إلى سويسرا من هناك. لكن بدلاً من ذلك، انتزعا من القطار قرب هامبرج، ليرسلا إلى معسكر الاعتقال النازي، وهناك بدأ ميكاس يدوِّن يوميّاته. وأخيرًا، بالطبع، وصل إلى نيويورك.




في سنوات اليوميات، من 1944 حتى 1955، حيث تنقل ميكاس في أوروبا ما بعد الحرب، حتى مناظر المهاجرين إلى نيويورك في منتصف القرن " كان الشك هو الثابت الوحيد". في 1985 يقول ميكاس" عندما أعيد قراءة هذه اليوميات، لا أعرف حقًّا إن كانت حقيقة أم خيالاً..أقرأها وكأنها ليست حياتي أنا، بل حياة شخص آخر.. وكأن هذه المآسي لم تكن مأسيَّ قط! كيف استطعت أن أنجو؟ لا بد وأني أقرأ يوميات شخص غيري!". نُشرت اليوميات للمرة الأولى في بلاك ثيستل برس1991، بعنوان " ليس لدي مكان أذهب إليه"، وستعيد دار سبكتور بوكس طبعها هذا الشهر..
 في المدونات الثلاث التالية، سنة 1948، سنجد دوناس وألدوفاس في معسكر النازحين في فسبادن، ميكاس محبط ويشعر بالحنين إلى الوطن، لكنه عنيد، ومصمم على الحياة يومًا بعد الآخر.
نيكول روديك.



4 يناير 1948
مناخ ربيعي. رياح ربيعية. بلل ووحل في كل مكان.


11:30 صباحًا. جاء فالداس ودعانا كلنا لأكل الكوكولاي" الزلابية" هذا المساء، كانت أمه تطهو.
ذهبنا، ألجيس وليو وألدوفاس ولحقنا بوزيناس، إلى فالداس من أجل الزلابية، لكن أمه أعلنت أنها لم تَعِد بأن تطهو لنا، وكي نتسلى ذهبنا كلنا للتمشية.
في الشارع، كان هناك رجلان يوغوسلافيان ثملان، يحاولان تشغيل موتوسيكل، تجمع الحشد حولهما، وكان الجميع يضحكون. لقد شغَّلاه، لا، لقد وقعا، وها هما يحاولان ثانية، جاءت امرأة يوغوسلافية شجاعة، ومسكت أحد الرجلين من عنقه، وجرَّته، حرفيًّا، حملته بعيدًا إلى البيت. أعتقد ذلك.

أنهيت قراءة ستانسلافسكي. 
يتمشى ليو، ببطء شديد، كما لو كان سحابة سوداء. يشكو، إنه خائف أن يكون مصابًا بالسُّل. ظهره يؤلمه، يقول ربما يكون سرطانًا، يجب أن يذهب ليجري فحصًا.

قالت تيريزا " أنا امرأة عصرية، وأحترم الاتجاهات الحديثة، وأعتبر أن الأشياء الموجودة اليوم ضرورية، أمتثل لها، وأعيش بهذه الطريقة". قلت لها " أنت امرأة غبية، لا عصرية..أنت مؤمنة بالقدر، لو جاء شخص يومًا ما وأراد أن يقطع رقبتك، هل ستتقبلين ذلك أيضًا؟". أخذ جوزيف عائلته وابتعد مع ماري والطفل.
"لقد مُنحنا حرية التصرف، حرية اختيار التصرف. لا ينبغي أن نمتثل "للقدر". لا ينبغي أن نتبع كل ما يحدث اليوم بطريقة عمياء".
قالت تيريز إني شاعر، ومثاليّ، وأني لن أرى الواقع كما هو أبدًا. عندها أنهيتُ المحادثة.
 
قدر ما نستطيع نحاول إخفاء الغنائية، لكنها لا تنفك تظهر. لا يستطيع الليتواني أن يعيش بعيدًا عن الطبيعة، لا يمكن أن تفصله عن الأراضي الخضراء المتسعة، ولا عن جداول الماء، ولا عن خيوط العنكبوت الطائرة في الهواء آخر سبتمبر، ولا الغابات التي تعبق برائحة الطحالب والتوت.
لهذا استمر ينحت تماثيل المسيح الخشبية ويضعها على جوانب الطرقات، بوجوهها التي تنظر، دومًا، نحو الأرض، تنظر إلى الأرض، وتحلم. كان مسيحهم دائمًا ما يحلم. مسيحهم ليتواني، مسيح الطرقات الجميل!

أحيانًا يكون من الجيد السقوط في الفراغ، سواء كان شخصًا آخر، أو الشخص نفسه، أو مزبلة..

مباركة هي ساعات الفراغ..

أيا كانت فهي ليست ممتلئة..

مازالايتي: ماذا لدى الآخرين ليعلمونا إياه؟ ماذا هناك ليتعلمه الكُتَّاب من الآخرين؟ الكاتب، أو الفنان، مثل الطائر؛ عليه أن يغني، عليه أن يغني أيا كان غناؤه!".
أنا: غنِ، لكن كفى من فضلك، كفى، كفى، غناؤك مريع!

ذكرى
ذهبنا مع والدي إلى الغابة بالسيارة، كانت كل الطرق مقصوفة، ومليئة بالحفر، جلست في الجزء الخلفي من العربة. مع كل اصطدام للعجلات، يضطرب كل ما في داخلي ويتقافز، كبدي، ورئتايَّ...

حدوتة
كان هناك رجل، طلب منه الله أن ينفذ مهمة صغيرة، كانت مجرد مهمة صغيرة، ولا أعرف ماذا كانت بالضبط.  قال له: افعل ذلك، وستتحول هذه الأرض ثانية إلى جنة، لن يكون هناك ملوك، ولن يُضطر أي شخص للعمل، سيكون كل الناس أحرارًا وسعداء..إلخ.
أخذ الرجل يفكر، أيفعل ذلك أم لا؟ ذات يوم فكر فعلاً أن عليه أن يفعل ذلك، لكنه في اليوم التالي لم يكن متأكدًا، وفكر أنه ربما لا يجب أن يفعل "لماذا نحن في حاجة إلى الجنة؟ دع الناس يعملون، أهذه مشكلة كبيرة؟! هذا مفيد جدًا لنظامك". لكنه عاد في اليوم التالي وفكر" ربما، في النهاية، سيكون لطيفًا ألا نعمل، وألا نفعل أي شيء". وعلى هذا الحال، لم يستطع أن يتخذ قرارًا، استغرق الأمر أيامًا وهو يفكر في الأمر، حتى مات ذات يوم. يا له من أمر مؤسف.. لقد كان بوسعه أن يحول الأرض إلى جنة!
**
10 يناير 1948

أنت مدعو لقراءة هذا على أنه شذرات من حياة أحدهم. أو كرسالة من غريب مشتاق لوطنه. أو كرواية، خيال بالكامل، نعم، أنت مدعو لقراءة هذا على أنه خيال، الموضوع، والحبكة التي تربط بين هذه التفاصيل هي كيف شببت عن الطوق، هي حياتي. الشرير؟ الشرير هو القرن العشرون.

الأجواء حزينة قليلا في الغرفة الآن، أجلس وأنظر خارج النافذة، كان هناك جليد، ورياح رهيبة فجَّرت علب البسكويت الفارغة، وطيّرت التنانير، الناس يمشون على جانب الطريق ووجوههم إلى الوراء، والسحب..آه كم كانت السحب تمر بسرعة، مليئة بالبرد وأنا جالس هنا أفكر، وأتساءل كيف هي السحب الآن في ليتوانيا، وأصبحُ عاطفيًّا. لكن لم لا أكون عاطفيًّا؟ إذا كان هذا حزينًا، ليكن حزينًا، وساعتها لا شيء في إمكانك أن تفعله حيال ذلك، على الأقل ليس الآن. يمكن للواحد أن يلعب دور الشخص المتفائل، الشجاع، السعيد، لكنه في أعماق قلبه يشعر بهذا الحزن الدائم العظيم. لا يمكن الفرار من ذلك، من الحنين للوطن. لكنك تحاول أن تخفيه، أن تحدث نفسك للخروج منه، تحاول أن تتحايل عليه، لكن أفكارك تفضحك، وأحلامك تفضحك، كل شيء يفضح حنينك للوطن. وعندها، تشعر بالراحة، ما دمت تشعر بالحنين إلى الوطن فأنت تعرف أنك لست ميتًا بعد. تعرف أنك لا تزال تحب شيئًا!
*
28 يناير 1948
شفاينفورت. من رسالة إلى م بافارسكاس.

نود في منتصف فبراير أن ننشر عددًا جديدًا من مجلة سفلجسنياي. آمل أنك لن ترفض أن ترسل لي قصة قصيرة مختارة.

ماذا يحدث، ما الذي تكتبه؟ الرياح الفارغة تعوي في أرض أدبنا في المنفي (ليس الحال بأفضل في الوطن)، الحياة ثقيلة جدًا كصخرة، كنا ندفع إلى الأسفل في الثُكنات، أستطيع سماع الخطوات الحزينة للناس في غرفهم، جيئة وذهابًا، ذهابًا وجيئة، طول اليوم! (سيأتي أحد إليك ويضع يده على كتفك، ويسألك: ها، أهناك أخبار من الوطن؟ ثم يذهب بعيدًا، يذهبون بعيدًا، هؤلاء الناس، بعيونهم، في الماضي السحيق).
عندها، أحيانًا في منتصف الكتابة، ينهار كل شيء فجأة، لماذا؟ لمن؟ لمن أكتب؟ لماذا أكتب إن كان لا أحد سيقرأ هذا؟ ربما من الأفضل تركها، وحرقها في داخلك، فلا تولد أصلاً وتموت، إنهم يقتلون، ويمحون بلادي، الرجال ذوو الأصابع الدموية يسيرون في جميع أنحاء العالم مستهدفين رقبتي. سيخنقون شعبي كله، سيقطعون ألسنة الجميع، ما معنى الكتابة إذن؟ لمن أكتب؟

لذلك جلست إلى المائدة ثانية، وبعينين ثقيلتين حدقت إلى الورقة. كتبت، وكان كل ما أكتبه منقوعًا بيأس وجنون الزمن الذي نعيش فيه؛ جرائم مجنونة، وانتظار مجنون، عندما يكون الشيء الوحيد الذي تملكه هو الانتظار نفسه. بينما أنت تعلم أن هناك أناس، في مكان ما، يستطيعون العمل، يستطيعون فعل كل ما يريدون، في مكان ما، العجلة تدور، وأنت مجرد لا شيء صغير في العجلة الكبيرة، في الجحيم الكبير الذي تخمره القوى الكبرى.
لكن سيكون من الغباء أن تنتظر حتى يطحنوك. اجعلهم يعملون أكثر، اجعل الأمر صعبًا عليهم.. لذلك قف، وابدأ في تطويح ذراعيك يمينًا ويسارًا، أرجحهما في الهواء من حولك. تعال. تعال. نعم أنت، تعال وحاول أن تبتلعني. ربما سأقف في زورك، فتختنق، وربما تحتاج إلى معجزة.. من يدري! حتى جالوت انهار ذات مرة.
حين أنظر إلى العالم أجد أن الغالبية العظمى من الناس تريد الخير. حتى لو، بخجل، يأخذونه حين يعطى لهم. سواء كان خبزًا أو حرية، لكن أن تعمل من أجل ذلك، لا سمح الله، تلك الأشياء الجيدة وتلك السلبية. تعلم أن ما الذي يحتاجه الأخيار للتغلب على الشر؛ يحتاجون قليلاً من الشيطان في داخلهم.

والآن حان وقت دفاعنا عن هذه الأرض. اكتبوا...







* نشر في ذي باريس ريفيو 17 أغسطس 2017. 



Thursday, September 14, 2017

تأملات في غرفة الطوارئ. فرانك أوهارا

تأملات في غرفة طوارئ

فرانك أو هارا



هل كنت سأصير لعوبًا لو كنت فتاة شقراء؟
هل كنت سأصير متدينًا لو كنت فرنسيًّا؟
في كل مرة ينكسر قلبي أميل إلى المغامرة أكثر
( لكن كيف تستمر الأسماء نفسها في الوجود بشكل متكرر في هذه القائمة اللانهائية)
 يومًا ما لن يتبقى ما يمكن المغامرة لأجله.
لماذا ينبغي أن أشاركك؟ لماذا لا تتخلى عن شخص آخر على سبيل التغيير؟
أنا رجل سهل، كل ما أريده هو الحب بلا حدود،
حتى الأشجار تفهمني، استلقيت تحت السماوات الطيبة، ألم أفعل؟
أنا مجرد كومة من أوراق الشجر.
على كلٍ، لم أزحم نفسي قط بمدائح الحياة الرعوية، ولا بالحنين إلى ماض بريء من
الأفعال المنحرفة في المراعي،
لا.. يحتاج الواحد ألا يغادر نيويورك أبدًا إلى المساحات الخضراء، أو يأمل..
شخصيًّا لا أستطيع الاستمتاع بحفنة من أوراق العشب إن لم أكن مطمئنًا إلى أن هناك مترو أنفاق قريبًا، أو متجر تسجيلات، أو أي علامة أخرى على أن الناس غير نادمين تمامًا على حياتهم.
من المهم جدًا التأكد من الحد الأدنى للصدق..
حصلت الغيوم على ما يكفي من الاهتمام، بينما هي مستمرة في العبور، هل تعرف ماذا يفوتها؟ مممم.
عيناي غامضتان زرقاوان كالسماء، وتتغيران طول الوقت، غير قادرتين على التمييز ، لكنهما خاطفتان، محددتان تمامًا وخائنتان، لذلك لا أحد يثق بي.
دائمًا أنظر بعيدًا، أو ثانيةً، إلى شيء ما بعد تخليه عني، هذا يرهقني، ويجعلني تعسًا، لكني مازلت غير قادر على الاحتفاظ به.
فقط لو كان عندي عينان رماديتان أو خضراوان أو سوداوان أو بنيتان أو صفراوان، لبقيت في بيتي وفعلت شيئًا،
ليس لأنني أهتم، لا، على العكس، أنا أشعر بالملل، لكن يتحتم عليَّ أن أكون يقظًا، هناك أشياء تحتاجني- تمامًا مثلما ينبغي للشمس أن تكون فوق الأرض- ومؤخرًا تعاظم قلقها،
أستطيع إذن أن أدخر لنفسي بعض النوم.
 الآن هناك رجل واحد أستطيع تقبيله وهو غير حليق،
ها هي العلاقة الغيرية تقترب لا محالة! ( كيف نثبطها يا ترى؟)
سانت سرابيون، لقد لففت نفسي بأثواب من طُهرك، الذي يشبه منتصف الليل عند دوستويفسكي، كيف لي أن أصير أسطورة يا عزيزي؟ لقد جربت الحب، لكنه يخفيك في صدر الآخر، لكني دائمًا كنت أنهض فجأة مثل زهرة لوتس،
إنها نشوة التفجر الدائم! ( لا ينبغي لهذا أن يشتت المرء) أو مثل زهرة الياقوتية..
 "لتظل قذارة الحياة بعيدًا"
  نعم، هناك، حتى في القلب، حيث تُضَخ القذارة والدورات التعليمية والافتراءات والملوثات والمحددات، لكني سوف أنفذ رغبتي، رغم أنني قد أصبح مشهورًا بالغموض الفارغ في ذاك القسم، ذاك الاحتباس الحراري.
إن كنت لا تعرف، دمّر نفسك!
من السهل أن تكون جميلاً، لكن من الصعب أن تَظْهَر كذلك،
 أنا أقدركم يا أحبائي، بسبب الفخ الذي نصبتموه،
إنه مثل الفصل الأخير، لا أحد يقرؤه، لأن المؤامرة انكشفت.
" فاني براون تهرب بعيدًا،  تفر ومعها رواية بوق الخيل[i]، أنا حقًا أحب الصغيرة منكس، وأرجو أن تكون سعيدة، رغم أنها كدرتني بهذا الاستغلال، الصغير كذلك- مسكينة وساذجة شتشينا، أو ف ب حسبما اعتدنا أن نناديها، أتمنى لو كان لديها لفافة جيدة من الجلد وعشرة آلاف جنيه" السيدة ثريل[ii]
يجب أن أخرج من هنا، سأختار  شالاً وبشرتي المسمرة من الشمس، الأقذر على الإطلاق. سأعود، من الوادي، سأظهر من جديد، مهزومًا.
أنت لا تحب أن تذهب إلى حيث تذهب، لذلك سأذهب إلى حيث لا تريدني أن أذهب، لا زلنا في الظهيرة، الكثير من الأشياء في انتظاري،
ليس ثمة بريد في الطابق السفلي،
التفتُ
 بصقت على القفل، فدار مقبض الباب!








[i] Cornet of Horse رواية ل أ ج هنتي
[ii] (1741- 1821) مؤلفة وكاتبة يوميات إنجليزية

Tuesday, September 5, 2017

المثليَّة .. فرانك أوهارا



المثليَّة
فرانك أوهارا

ها نحن نخلع أقنعتنا، هل نفعل؟
ونطبق أفواهنا..
كما لو كانت النظرة تخترقنا!
الأغنية عن البقرة العجوز ليست ممتلئة بالأحكام،
مثل بخار يهرب من روح شخص عليل،
لذا أسحب الظل من حولي كزفرة،
وأغمض عينيَّ، كما لو في أكثر اللحظات تميزًا من أوبرا طويلة جدًا،
بعدها نبتعد!
بلا لوم،
بلا أمل أن أقدامنا الرقيقة سوف تلمس الأرض ثانية، ناهيك بالسرعة الشديدة،
إنه قانون صوتي الخاص، الذي عليَّ البحث عنه،
أبدأ مثل الثلج،
إصبعي في أذني،
وأذني في قلبي،
الوغد الفخور في سلة المهملات،
 تحت المطر،
بصراحة متناهية، من الرائع أن يعجب المرء بنفسه،
تصاعديًّا يحصي ما يتميز به كل مرحاض،
المبنى رقم 14 في الشارع ثمل وأبله،
والطريق رقم 53 يحاول الترنح لكنه مرتاح جدًا،
الحب الجيد محض حديقة، أو محطة قطار غير ملائمة،
وهناك المتنبئون الذين سحبوا أنفسهم إلى أعلى،
وفي الأسفل ظل طويل لرأس حبشي في التراب،
يجرجرون كعوبهم في الهواء الساخن،
يبكون لإرباك الشجعان،
" إنه يوم صيفي، وأنا أتمنى أن أكون مرغوبًا أكثر من أي شيء آخر في العالم".


Sunday, September 3, 2017

فلسفتي في الحياة. جون أشبري



فلسفتي في الحياة
جون أشبري (1927-2017)

عندما فكرت أن ليس ثمة حيز في عقلي لفكرة أخرى،
خطر ببالي الفكرة العظيمة، التي أسميتها فلسفتي في الحياة،
باختصار، هذا يورطك في العيش مثلما يعيش الفلاسفة،
وفقًا لحزمة من المبادئ،
 اوكيه، لكن أيها؟
أعترف أن الجزء الأصعب كان أني كنت أملك نوعًا من المعرفة المسبقة لما سيكون عليه الأمر،
كل شيء، أكل البطيخ، الذهاب إلى الحمّام، أو حتى مجرد الوقوف على رصيف المترو،
غارقًا في التفكير لدقائق، أو قلقًا أن الغابات المطيرة ربما تتأثر، بتعبير أدق، منحنيا بموقفي الجديد.
 لن أتحول واعظًا، وأقلق على الأطفال وكبار السن، اللهم إلا بطريقة عامة حددها كوننا المتناغم،
بدلاً عن ذلك، سأترك الأشياء، نوعًا ما، لتكون ما هي عليه،
بينما أحقنها بمصل المناخ الأخلاقي الجديد الذي أظنني تعثرت به،
كغريب يضغط خطأً لوحة خلف خزانة للكتب،
ليكتشف سُلّمًا مضاء بضوء أخضر في مكان ما بالأسفل،
فيخطو إليه تلقائيًا ، وتنغلق خزانة الكتب،
وكما هو الحال في مثل هذه المواقف، يجتاحه العطر على الفور،
ليس الزعفران ولا الخزامى، لكنه شيء بينهما،
فكَّر في الوسائد التي يتكئ عليها كلب عمه في بوسطن،
وهو ينظر إليه متسائلاً، مشيرًا بأذنيه المطويتين لأعلى،
وهنا حدث الانفجار العظيم، الذي لا فكرة واحدة منه تكفي لجعلك تشمئز من التفكير،
ثم تتذكر شيئًا كتبه ويليم جيمس في كتاب لم تقرأه قط،
كان لطيفًا، امتلك اللطف كله، غبّره مسحوق الحياة، مصادفة بالطبع،
وعلى رغم ذلك لا زال يبحث عن دلائل بصمات الأصابع،
أحدهم استطاع التعامل مع الأمر،
حتى قبل أن يصوغه، رغم أن التفكير كان تفكيره هو فقط،
لا بأس، في الصيف، إن أردت أن تزور الشاطئ،
هناك رحلات كثيرة يمكن القيام بها،
بستان من الحور اليافعات يرحب بالمسافر،
وبالقرب منه المراحيض العامة،
حيث نحت الحجَّاج الضجرون أسماءهم وعناوينهم،
وربما كتبوا رسائل أيضًا،
رسائل إلى العالم، بينما هم جالسون يفكرون فيما سيفعلونه بعد استخدام الحمّام،
ويغسلون أياديهم في الحوض، قبل أن يخرجوا إلى العراء ثانيةً،
هل كانوا مقتنعين بالمبادئ؟
هل كانت كلماتهم فلسفة، أو نوعًا ما مادة خام لها؟
أعترف أني لا أستطيع الحركة أبعد من قطار التفكير هذا،
شيء ما يعوق حركتي،
شيئ لست ناضجًا بما يكفي لاكتشافه،
بصراحة، ربما أكون خائفًا،
ماذا كانت مشكلة الطريقة التي كنت أتصرف بها قبلاً؟
ربما أستطيع الوصول إلى حل وسط،
نوعًا ما، سأترك الأشياء لتكون ما هي عليه،
في الخريف سأصنع الجيلي، ضد برودة الشتاء وعبثه،
وهو ما سيكون أمرًا إنسانيًا، وذكيًا كذلك،
لن تحرجني تصريحات أصدقائي الغبية، ولا حتى تصريحاتي الشخصية،
رغم التسليم بأن هذا هو الجزء الأصعب،
مثلما تكون في مسرح مزدحم، وتقول شيئًا يزعج المشاهد الذي أمامك، الذي لا يحب أصلاً فكرة أن يتحادث شخصان بالقرب منه،
حسنًا، عليه أن يتدفق حتى يجد الصيادون فجوة للوصول إليه،
كما تعلم، هذا الأمر يعمل في كلا الاتجاهين،
لا يمكنك دائمًا أن تقلق على الآخرين، وتحافظ على مسارك في الوقت نفسه،
سيكون هذا مسيئًا،
لكنه يشبه نوعًا من المرح، في أن تحضر مثلاً زفاف شخصين لا تعرفهما،
مع ذلك فإن هناك الكثير من المرح في أن تظل في الفجوة بين الأفكار،
هذا ما خلقوا لأجله،
الآن، أريدك أن تخرج، وترفه عن نفسك،
نعم، استمتع بفلسفتك في الحياة أيضًا،
إنها لا تأتي كل يوم..
انتبه.. هناك واحدة كبيرة!




1995

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...