Sunday, April 15, 2018

رسائل الحب المُحَرَّم بين ألبير كامو وماريا كاساريس





رسائل الحب المُحَرَّم بين ألبير كامو وماريا كاساريس







ستيفاني لاكافا
ترجمة أسماء يس

في خلال الأسابيع الماضية انغمست في قراءة مجموعة من المواد أصلية المصدر، لعمل ضخم من الرسائل الأدبية؛ كتاب كبير في نحو 1300 صفحة، يحوي رسائل أصلية وبطاقات بريدية تبادلها الفيلسوف والأديب الفرنسي ألبير كامو والممثلة الإسبانية الفرنسية ماريا كاساريس بين عامي 1944 و 1959.
الكتاب أضخم من أن أحمله معي في المترو، لذلك حمَّلت نسخته الإلكترونية على تليفوني، الذي التقطت كاميرته مئات اللقطات
  screenshots للرسائل المتبادلة بالفرنسية بين الحبيبين. نُشر الكتاب عن دار نشر جاليمار، ولم يترجم بعد إلى الإنجليزية.

قصة الحب بين كامو وكاساريس أكثر ثراءً، إن لم يكن أكثر حزنًا، خصوصًا لو أخذنا في الاعتبار طبيعة عمل كل منهما، فهناك تشابه غريب في الحياة والفن، والعبث هو اليقين الوحيد، وهذا ما يتأكد مرارًا وتكرارًا  في المصادفات والحظ.

التقى الاثنان للمرة الأولى في 6 يونيو 1944، وهو اليوم الذي وصلت فيه قوات الحلفاء إلى نورماندي. كان كلاهما مشاركًا في مسرحية كامو "سوء تفاهم" التي عرضت على مسرح ماتيوران في باريس. قبل المسرحية اصطحب كامو كاساريس إلى أمسية عند جان بول سارتر وسيمون دي بوفوار (لاحظت الأخيرة مدى جمال الممثلة الشابة وثقتها في نفسها). ويقال إن علاقتهما العاطفية بدأت في تلك الليلة، كانت كاساريس في الحادية والعشرين وكامو يكبرها بتسع سنوات. لكن علاقتهما المشتعلة انتهت فجأة عندما عادت زوجة كامو، عالمة الرياضيات وعازفة البيانو فرانسيس فور، إلى باريس من الجزائر بعد الاحتلال.


بعد ذلك تولى كامو رئاسة تحرير صحيفة كومبا، وهي صحيفة من صحف المقاومة كانت تصدر بشكل سري، وأنجبت زوجته توأمين؛ كاثرين وجين. في هذه الأثناء تلقت كاساريس عرضين لدورين من أهم أدوارها، دور الزوجة التي ظلت تعاني لفترة طويلة في فيلم "أبناء الجنة"، ودور العاشقة المهجورة في فيلم "السيدات من غابة بولون". وبعد أربع سنوات من لقائهما الأول، وفي 6 يونيو 1948 التقت كاساريس كامو مصادفة في شارع سان جيرمان، واستمرت مراسلاتهما بلا انقطاع على مدى اثني عشر عامًا تالية.

لنحو تسعمئة رسالة، تبادل الاثنان تفاصيل حياتهما اليومية مع مسحة من المرح اللاهي. كنت أرغب في قص سطور الرسائل المبكرة، لنرى مدى التوافق بينهما بعد أكثر من عقد على بدء العلاقة. منذ البداية أكد كامو لكاساريس أنه لم يتغير إلا قليلاً، سواء في مشاعره، أو في المدينة نفسها، حيث عبرا شوارعها للمرة الثانية، كتب لها عن الأشياء المزعجة العتيدة في باريس، كانت كاساريس دومًا تسعى للأدوار، وتسخر من رائحة البطاطس المقلية المقرفة التي تملأ بلجيكا، ومع ذلك فإنها تجد وقتًا لتفاصيلها اليومية الخاصة؛ التي تضم الكثير من السجائر والعناية بوالدها وقطتها كاتسو.
كانت الرسائل أحيانًا عبارة عن ملحوظات مقتضبة؛ تحية سريعة قبل الذهاب إلى النوم، أو جمل متناثرة "سباجيتي وجريب فروت"، وأحيانًا كانت رسائل مطولة، مليئة بالتساؤلات وآخر الأخبار، كانت كاساريس كثيرًا ما تسأل عن أطفال كامو، لم يكن هناك أي إنكار للواقع.

"سوف تحبين هذا البيت، 
ورائحة الليالي، إنه هادئ في المساء" يكتب كامو إلى كاساريس، وفي رسالة منفصلة يرسل غصنًا من زعتر الجبال المحلية. 
"أكتب إليك من قلب عاصفة جميلة" يقول في رسالة من جملة واحدة " هناك مطر وبرق ورعد، أمضيت اليوم ألعب مع كاثرين وجين".
كان كامو يدرك أن زواجه عقبة في طريق حبهما "هذا الحب سيء الحظ ليس ما تستحقين"، يقول لها "لقد وجدت معك قوة الحياة التي اعتقدت أني فقدتها" وفي رسالة أخرى "[أنت] الشخص الوحيد الذي جعلني أبكي"، كان واعيًا لكلماته، وأحيانًا يعيد قراءة الرسائل قبل إرسالها " أنا متعب وخائف من الاستمرار في هذه النغمة، هذا فقط لأخبرك عن لون اليوم وعن أفكاري؛ إنها ثقيلة وساخنة، يوم للصمت، وللعري، وللغرف ذات الظلال، وللهجر، أفكاري بلون شعرِك، ويوم الاثنين وما يليه ببضعة أيام بلون عينيك" ولاحقًا "أكتب اسمك في الليل يا عزيزتي ماريا". يتحدث عن الآحاد المليئة بالكتابة، حتى عندما يشعر أن الأمر يكاد يكون مستحيلاً كانت كاساريس تشجعه.

"أحبُكَ" تقول له "اكتب..اكتب..الأيام صعبة وطويلة..أحتاج إلى رسائلك كي أعيش.. نم، استرخ" كانت تسأله عن رأيها في عمله، وكان يرد باحترام  مماثل لعملها.
يكتب لها كامو "رسالتك يا جميلتي حزينة بعض الشيء، كيف أستطيع أن أساعدك؟ رفيقك المخلص موجود من أجلك.. تعلمين ذلك". وذات مرة ختم رسالته إليها بـ" تاج من القبلات لملكة الأحلام" ويشيد بأدائها "نعم، تستطيعين أن تكوني سعيدة، أنت عظيمة.. وممثلة كبيرة".

في مقدمة الكتاب ذكرت كاثرين ابنة كامو أن أخطاء كاساريس اللغوية تم تصويبها في النسخة النهائية للكتاب، وربما كان الأسلوب ليضيع دونها. بعد وفاة والدتها  في 1979 اشترت كاثرين المراسلات من كاساريس، وجلبت الكتاب لدار نشر جاليمار.
بعض القطع من الأوراق المختومة بالاسم أعيد نسخها طبق الأصل في الكتاب، بالإضافة إلى رسومات هنا وهناك، والرسائل التي أرسلت برقيًّا تظهر مؤرخة وبالأحرف الكبيرة. كنت أرغب في رؤية المزيد من النسخ الأصلية؛ الهالة التي تم التقاطها في خط يد العاشقين الغاضب. في نهاية إحدى الرسائل هناك ملحوظة أن الرسالة تضم رسما للشمس بخط كامو، وكنت أود أن أراه. على الغلاف الخلفي للكتاب ما يدل على روح الدعابة عند كامو "أربع رسائل بلهاء، يكتب فيها كامو بالنيابة عن كاساريس بحثًا عن مكان يصلح للإيجار في الصيف". في إحداها " مدام.. كلمتين: أنا قذر وساخن، لكني لست وحدي، إذن ليكن الشاطئ والماء وغرفتان وغابة، وبلا مقابل..أو تقريبًا.."

بمرور الوقت هناك قلق واضح ومكتوب من أن يكون حبهما قد خبا، وأن الخزي المعتاد والتعود قد ترسخا، ربما بسبب الوهم المعلق بالحب عن بعد. تكتب كاساريس "أحتضنك كما في المرة الأولى"، "أحب قلبك، وكل ما أنت عليه..كلما فكرت فينا وجدت أنه من العبث عدم الاعتقاد في الخلود".
كانت زوجة كامو على علم بعلاقاته المؤلمة "كاساريس لم تكن الوحيدة"، وقد عانت من الاكتئاب وحاولت الانتحار عام 1954.

في الرسائل تم الحفاظ على الرغبة في التفاصيل الصغيرة، في اللحظات المكثفة التي كانا يقضيانها معًا، كانا يحولانها إلى أسطورة وهما بعيدين عن بعضهما البعض، في ذكرياتهما، فتصير تلك اللحظات أكثر مرونة، وأسطورية أكثر مما لعلاقة يومية يمكن أن تكون.

شيء واحد تغير مع مرور الوقت، في الرسائل لم تعد كاساريس تحث كامو على الكتابة، بل كانت تمنحه الحنان بدلاً عن ذلك "عش كما تريد أن تعيش، إن كنت تشعر أنك لا تريد الكتابة، لا تكتب.. تعلم أنه لا يسعنا الآن إلا أن نكرر أنفسنا"، طلبت منه أنه يرسل لها رسالة يخبرها أن كسله على ما يرام، ولو في كلمة واحدة "سأعرف فقط ما أريد أن أعرفه، ومن جانبي سأفعل الشيء نفسه"، في رسائل لاحقة ستكرر أنها بالفعل قد قالت له كل شيء، وأنها لا تتخيل الحياة دونه، لكن يجب عليها أن تفعل، وأنها أذعنت لغيابه الذي من خلاله سيكون دائمًا موجودًا من أجلها " نعم..أيا كان ما سيحدث فأنت موجود في حياتي إلى الأبد".

في الرسالة الأخيرة، يقول كامو " جيد.. الرسالة الأخيرة، فقط لأخبرك أنني سأصل يوم الثلاثاء.. قريبًا جدًا يا فاتنتي" يخبرها أنه عندما يصل الثلاثاء، سيبدآن قصة حبهما من جديد.

تنتهي المراسلات هنا.

بعد أيام من إرساله "رسالته الأخيرة"، وفي 4 يناير 1960، سيموت ألبير كامو في حادثة سيارة. وتجري الحكايات أنه كان هناك تذكرة قطار في جيبه. عاشت كاساريس بعده ستة وثلاثين عامًا، وتوفيت يوم عيد ميلادها الرابع والسبعين في منزلها بفرنسا.

يستمر التناغم بين الحياة والفن، بعد سنة من وفاة كامو أدت كاساريس دورها كأميرة، الوجه النسائي للموت، في الجزء الأخير من ثلاثية أورفيوس لجان كوكتو؛ في المسرحية هناك مثلث الحب بين الأميرة والشاعر وزوجته، يورييدس الحامل، في قصة تتخيل باريس بعد الحرب.



نُشر في باريس ريفيو 11 أبريل 2018





No comments:

Post a Comment

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...