Sunday, April 12, 2020

عندما اضطر فوكنر إلى الكتابة عن همنجواي











مراجعة ويليام فوكنر لرواية همنجواي "العجوز والبحر"1952
في منتصف القرن العشرين، كانت القامتان الكبيرتان في المشهد الأدبي الأمريكي هما ويليام فوكنر وإرنست همنجواي؛ كلاهما يحظى بتقدير دولي، وكلاهما سيد الرواية والقصة القصيرة، وكلاهما فاز بجائزة نوبل..
ولد فوكنر في ميسيسيبي، و
قد كتب تاريخًا استعاريًا للجنوب بأسلوب دقيق وصعب. تميزت أعماله باستخدام تيار الوعي ووجهات النظر المتنوعة. كما كان يفضل الجمل الطويلة العملاقة، وسجَّل الرقم القياسي لامتلاك أطول جملة في الأدب، وفقًا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ افتح نسختك من رواية أبشالوم! أبشالوم! الفصل السادس وستجدها [جملة مكونة من 1280 كلمة!]. همنجواي، من ناحية أخرى، اشتهر بالنثر المتخلص من كل زخارف العصر الفيكتوري، كانت جمله قصيرة مقتضبة وبسيطة. وقصصه تدور حول أناس كوزموبوليتانيين منزوعي الجذور في مواقع غريبة مثل باريس أو سيرينجيتي.
إذا كتبت "فوكنر وهمنجواي" في محرك البحث المفضل لديك، فمن المحتمل أن تتعثر في هذا التراشق الشهير؛ يقول فوكنر عن همنجواي "لم يُعرف عنه مطلقًا أنه استخدم كلمة قد تجعل قارئًا يلجأ إلى القاموس!"، ويقول همنجواي "مسكين فوكنر.. هل يعتقد حقًا أن العواطف الجياشة يلزمها كلمات معقدة؟!". لم يقصد فوكنر من جملته أي إهانة، لكن همنجواي اعتبرها كذلك؛ ليكون هذا المشهد هو الأكثر قسوة في علاقتهما المعقدة.
في حين أن فوكنر وهمنجواي لم يلتقيا رسميًّا قط، إلا أنهما كانا يتراسلان بانتظام، وكان كل منهما على دراية تامة بموهبة الآخر. وكانا يتنافسان، وخصوصًا همنجواي؛ الذي كان غير واثق أكثر مما قد تتخيله عن شخصيته الذكورية. كان همنجواي دومًا ما يقول عن فوكنر "الأفضل بيننا جميعًا"، مندهشًا من قدراته الطبيعية. لكنه كما أخذ على فوكنر لجوءه إلى الحيل. مثلما كتب إلى هارفي بريت Harvey Breit، الناقد الشهير في صحيفة نيويورك تايمز "إذا كان عليك كتابة أطول جملة في العالم لتجعل كتابك مميزًا، فإن الخطوة المقبلة لا بد وأن تكون هي استئجار بيل فيك [لاعب البيسبول الشهير] أو استخدام الأقزام".



من جانبه، لم يكن فوكنر أقل تنافسية. مع أنه صرَّح ذات مرة لصحيفة نيويورك هيرالد تريبيون واصفًا همنجواي "أعتقد أنه الأفضل بيننا".. لكنه، من ناحية أخرى، شعر بالضيق عندما أشار عليه أحد المحررين باستكتاب همنجواي ليضع مقدمة لكتابه  The Portable Faulkner في عام 1946 "يبدو لي أمرًا مريرًا أن أطلب منه كتابة مقدمة لعملي.. إن الأمر يشبه مطالبة أحد خيول السباق في منتصف السباق بالدعاية لحصان آخر في المضمار نفسه".
عندما طلب بريت من فوكنر كتابة مراجعة لرواية همنجواي "العجوز والبحر" التي صدرت في عام 1952 رفض. ومع ذلك عاد ورضخ حين طلبته منه المجلة الأدبية لجامعة لي "شيناندواه". فكتب فوكنر مديحًا حذرًا في فقرة واحدة:

أفضل أعماله.. وربما يظهر مع الوقت أنها أفضل أعمالنا جميعًا، أعني معاصريه ومعاصريّ. لقد اكتشف الله، الخالق، هذه المرة. حتى الآن صنع رجاله ونساءه أنفسهم بأنفسهم، شكَّلوا أنفسهم من طينهم الخاص؛ كانت انتصاراتهم وهزائمهم على أيدي بعضهم البعض، فقط ليثبتوا لأنفسهم، أو لبعضهم مدى الصلابة التي من الممكن أن يكونوا عليها. لكنه هذه المرة، كتب عن الشفقة: عن شيء كامن في مكان ما صنعهم جميعًا؛ الرجل العجوز الذي كان عليه أن يصطاد السمكة ثم يفقدها، السمكة التي يجب أن تصاد ثم تُفقد، أسماك القرش التي كان عليها أن تسرق العجوز سمكته. لقد صنعهم جميعًا، وأحبهم جميعًا، وأشفق عليهم جميعًا.
هذا جيد.. والحمد لله أنه مهما كان من خلق وحب وشفقة فإن هيمنجواي اكتفى بهذا.





4 comments:

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...