Tuesday, June 7, 2022

علبة سجائر ماو تسي تونج

 



في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن الأمريكية اليابانية، وكنت الأصغر بين الخمسة.
 
قابلناه في وقت متأخر للغاية؛ في الواحدة صباحًا.. قادونا إلى حديقة مظلمة، وكان الظلام حالكًا إلى درجة أننا لم نتمكن من رؤية زهور الياسمين المنتشرة في الحديقة، لكنناعلى الأقل كنا نشمها.. وتمازحنا قائلين إننا إذا اتبعنا رائحة الياسمين، فسنصل إلى ماو. 
كان ماو رجلاً مثيرًا للإعجاب، ضخمًا بشكل غير عادي، خصوصًا بالمقاييس الآسيوية. لم يُسمح لنا بطرح الأسئلة، ولم يتحدث إلينا مباشرة، بل خاطب رئيس الوزراء، تشوان لاي. وظل طول اللقاء يقتبس من كتبه اقتباسات مملة جدًا.. كان مع ماو علبة سجائر ضخمة ويدخن بشراهة. وبينما كانا يتحدثان، كان تشوان يمازح ماو بإبعاد علبة السجائر عن متناول يده، لكن ماو كان يمد يده ويستعيدها مجددًا..


وفي العام التالي أجريت مقابلة مع سارتر، وكانت المرة الأولى لي في باريس.. سكنت فيغرفة صغيرة في سان جيرمان دي بري، وأول ما سمعت من أصوات كانت هتافات المتظاهرين بالخارج وهم يهتفون "السلام للجزائر!" سارتر شخصية رئيسية في حياتي.. لكنه مثل ماو، كرر الاقتباس من المقولات التي نشرها بالفعل في كتبه؛ عن أن "الوجودية هي الإنسانية في المواقف"، لذلك توقفت عن تدوين الملاحظات خلفه، واكتفيت بتدوين عناوين الكتب.. كما صرح أنه يجب على الناس معارضة الحرب النووية، لكنه يؤيد امتلاك الصين لأسلحة نووية! وقد عارضت بشدة امتلاك أي كان أسلحة نووية، لكنني لم أتمكن من الاشتباك مع سارتر في هذه النقطة؛ إذ كان رده "السؤال التالي؟"!

 

 جزء من حوار نشر في باريس ريفيو، شتاء 2007

Thursday, November 19, 2020

أوراق الخريف. فريدريك سيديل

 









أوراق الخريف

 

غطّس الكابوريا الحية في الماء المغلي،

واتركها تصرخ،

سيتحول كلاكما إلى اللون الأحمر،

طبعًا سيكون عليك أكلها ميتة،

محتمل أن تكون هناك بطارخ غير مخصبة، ستتحول أيضًا إلى الأحمر،

بطارخ لذيذة خبيثة تسمى مرجان،

بقدر برودة المحيط الذي جاءت منه الكابوريا، بقدر حلاوة اللحم المسلوق في مخ ساخن،

وفي النهاية، الكابوريا مثل أوراق الخريف،

غير قادرة على ضبط نفسها،

لا تعرف أن العذاب هو التحول شيئًا آخر، حين لا يكون ذلك في نيتك يقينًا!

 

هذه الغرفة يجب أن تكون غرفة النوم،

لكن لها رائحة فأر اصطاده الفخ،

وها هو ملتصق بالصمغ،

 كرجل عالق،

واقف على سقف سيارته الغارقة،

أو كامرأة تمارس الحب مع نفسها أمام مرآة،

الصرخات الخافتة التي تصدر عنك وأنت تحاول الفكاك من نفسك، تتحول أفراس نهر تغني وتتنهد!

 

وقود هذه الدراجة أحادية العجلة، ناهبة العالم،

 يصير أسرع فأسرع،

إنه مجرد قوة،

ولم يعد رئيسًا للولايات المتحدة،

 

الرجل الواقف على سقف سيارته يطوح بذراعيه،

 فراشات أرض الحب تحط على القطران الطازج اللزج الحقير،

وأنا أتحول،

بعد تحول مريع مفاجئ، إلى إنسان،

أُحتضر،

أتحول شيئًا لم يكن في نيتي التحول إليه!

 

رائع أن تشاهد امرأة تستمني،

يتحوّل لون عينيك إلى الأزرق،

كأن المرأة تفعل ذلك لأجلك،

إنها تراقبك أيضًا،

وأنت مدرك أنها تفعل ذلك لأجلك،

 

تبلل تليفون الرجل الذي مازال عالقًا هناك،

فوق سقف سيارته ذات الدفع الرباعي الغارقة،

يصرخ في المدى،

ساعة اليد الجديدة، "ماركة سواتش"، على معصمي،

تُكبل المشتبه به، ليضاجع شخصًا يافعًا،

 يتلويان كحبل،

دعهما يتدليان ويلتفان،

كم هو مؤلم التحول شيئًا آخر!

 

نوع من الصراصير له رائحة العفن الخفيف، يتجول على شعر ساقين،

فيغمغم بشيء، ثم يلبس حلة أنيقة، ويخرج،

الخريف في الخارج،

الطقس الذي يحبه الناس،

المثالي تمامًا للذين يكرهون الحر،

تشرق الشمس في كل الزوايا، في الأجواء،

مخلفة هذا المنظر، وذاك النور،

فيأتي أول المستجيبين في زورق، لإنقاذ الرجل الواقف على سقف سيارته،

تُدلي الهليكوبتر بسلمها إلى الكابوريا المسلوقة،

دعني أوضح لك أمرًا؛

 لم أفهم شيئًا قط..


Sunday, April 12, 2020

عندما اضطر فوكنر إلى الكتابة عن همنجواي











مراجعة ويليام فوكنر لرواية همنجواي "العجوز والبحر"1952
في منتصف القرن العشرين، كانت القامتان الكبيرتان في المشهد الأدبي الأمريكي هما ويليام فوكنر وإرنست همنجواي؛ كلاهما يحظى بتقدير دولي، وكلاهما سيد الرواية والقصة القصيرة، وكلاهما فاز بجائزة نوبل..
ولد فوكنر في ميسيسيبي، و
قد كتب تاريخًا استعاريًا للجنوب بأسلوب دقيق وصعب. تميزت أعماله باستخدام تيار الوعي ووجهات النظر المتنوعة. كما كان يفضل الجمل الطويلة العملاقة، وسجَّل الرقم القياسي لامتلاك أطول جملة في الأدب، وفقًا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ افتح نسختك من رواية أبشالوم! أبشالوم! الفصل السادس وستجدها [جملة مكونة من 1280 كلمة!]. همنجواي، من ناحية أخرى، اشتهر بالنثر المتخلص من كل زخارف العصر الفيكتوري، كانت جمله قصيرة مقتضبة وبسيطة. وقصصه تدور حول أناس كوزموبوليتانيين منزوعي الجذور في مواقع غريبة مثل باريس أو سيرينجيتي.
إذا كتبت "فوكنر وهمنجواي" في محرك البحث المفضل لديك، فمن المحتمل أن تتعثر في هذا التراشق الشهير؛ يقول فوكنر عن همنجواي "لم يُعرف عنه مطلقًا أنه استخدم كلمة قد تجعل قارئًا يلجأ إلى القاموس!"، ويقول همنجواي "مسكين فوكنر.. هل يعتقد حقًا أن العواطف الجياشة يلزمها كلمات معقدة؟!". لم يقصد فوكنر من جملته أي إهانة، لكن همنجواي اعتبرها كذلك؛ ليكون هذا المشهد هو الأكثر قسوة في علاقتهما المعقدة.
في حين أن فوكنر وهمنجواي لم يلتقيا رسميًّا قط، إلا أنهما كانا يتراسلان بانتظام، وكان كل منهما على دراية تامة بموهبة الآخر. وكانا يتنافسان، وخصوصًا همنجواي؛ الذي كان غير واثق أكثر مما قد تتخيله عن شخصيته الذكورية. كان همنجواي دومًا ما يقول عن فوكنر "الأفضل بيننا جميعًا"، مندهشًا من قدراته الطبيعية. لكنه كما أخذ على فوكنر لجوءه إلى الحيل. مثلما كتب إلى هارفي بريت Harvey Breit، الناقد الشهير في صحيفة نيويورك تايمز "إذا كان عليك كتابة أطول جملة في العالم لتجعل كتابك مميزًا، فإن الخطوة المقبلة لا بد وأن تكون هي استئجار بيل فيك [لاعب البيسبول الشهير] أو استخدام الأقزام".



من جانبه، لم يكن فوكنر أقل تنافسية. مع أنه صرَّح ذات مرة لصحيفة نيويورك هيرالد تريبيون واصفًا همنجواي "أعتقد أنه الأفضل بيننا".. لكنه، من ناحية أخرى، شعر بالضيق عندما أشار عليه أحد المحررين باستكتاب همنجواي ليضع مقدمة لكتابه  The Portable Faulkner في عام 1946 "يبدو لي أمرًا مريرًا أن أطلب منه كتابة مقدمة لعملي.. إن الأمر يشبه مطالبة أحد خيول السباق في منتصف السباق بالدعاية لحصان آخر في المضمار نفسه".
عندما طلب بريت من فوكنر كتابة مراجعة لرواية همنجواي "العجوز والبحر" التي صدرت في عام 1952 رفض. ومع ذلك عاد ورضخ حين طلبته منه المجلة الأدبية لجامعة لي "شيناندواه". فكتب فوكنر مديحًا حذرًا في فقرة واحدة:

أفضل أعماله.. وربما يظهر مع الوقت أنها أفضل أعمالنا جميعًا، أعني معاصريه ومعاصريّ. لقد اكتشف الله، الخالق، هذه المرة. حتى الآن صنع رجاله ونساءه أنفسهم بأنفسهم، شكَّلوا أنفسهم من طينهم الخاص؛ كانت انتصاراتهم وهزائمهم على أيدي بعضهم البعض، فقط ليثبتوا لأنفسهم، أو لبعضهم مدى الصلابة التي من الممكن أن يكونوا عليها. لكنه هذه المرة، كتب عن الشفقة: عن شيء كامن في مكان ما صنعهم جميعًا؛ الرجل العجوز الذي كان عليه أن يصطاد السمكة ثم يفقدها، السمكة التي يجب أن تصاد ثم تُفقد، أسماك القرش التي كان عليها أن تسرق العجوز سمكته. لقد صنعهم جميعًا، وأحبهم جميعًا، وأشفق عليهم جميعًا.
هذا جيد.. والحمد لله أنه مهما كان من خلق وحب وشفقة فإن هيمنجواي اكتفى بهذا.





Monday, April 6, 2020

صعوبة. ليديا دايفز










صعوبة
ليديا دايفز


على مدى سنوات كانت أمي تقول إنني أنانية وغير مهتمة وغير مسؤولة.. إلخ. وكانت معظم الوقت مستاءة مني؛ تغطي أذنيها بيديها إذا تجادلت معها، وقد فعلتْ ما في وسعها لتغييري، لكني، وعلى مدى سنوات، لم أتغير. وحتى لو تغيرت فلست متأكدة من ذلك، لأن اللحظة التي تقول فيها أمي "أنت لم تعودي أنانية وغير مسؤولة وغير مهتمة.. إلخ" لم تأت بعد. الآن أنا التي أقول لنفسي "لماذا لا تفكرين في الآخرين أولاً، لماذا لا تهتمين بما يجب عليك فعله، لماذا لا تتذكرين ما يجب إنجازه؟". أنا مستاءة، ومتعاطفة مع أمي، كم أنا صعبة! لكني لا أستطيع أن أخبرها بذلك، لأنه في الوقت نفسه الذي أود أن أخبرها فيه بذلك، أنا هنا، أكلمها في التليفون، وأستمع إليها مستعدة للدفاع عن نفسي.

Tuesday, December 31, 2019

بحثًا عن كل منا..






بحثًا عن كل منا

ليندا جريج
1942-2019



أفتح صندوق بطاقاتي البريدية

وأقلّب فيه، بحثًا عن دي كريكو
لأني أتذكر رؤيتك واقفًا تواجه جدارًا
لا يزيد عن عمود 
بينما عن يسارك قاعة
تراجعت إلى الخلف.. إلى الظلام
والأرضية تنزلق إلى أسفل.. حيث تقف وحيدًا
بينما انفتحت عن يمينك قاعة
مليئة بالناس الذين كانوا يستمعون إليك وأنت تقرأ
وها هم الآن يستمعون إلى الشاعر الآخر

كنت أبحث عن دي كريكو بسبب الأماكن
الأماكن الفارغة
تخطر ببالي كلمة "شارع/ boulevard
وأنا أقف إلى جانب نوافير باريس
والماء يتناثر عليَّ حين كنت في الخامسة عشرة!

كنا في الليل
كنت وحدي وقد عمَّ الظلام كذلك.. 
لماذا لم تجدني؟
لماذا لم يجدني أي شخص خلال كل هذه السنوات؟
كان الحب يأتي على شكل نقاء. فن. معمار. وربما قطار!
ربما أنكرني ظل التمثال.. ربما أنكرني التمثال ومقدمته،
ربما الفتاة الصغيرة التي تلعب وحدها ستسمع حتى أصوات الحجارة الصغيرة ترن وهي ترتطم بالحيطان،

أُقلِّب في البطاقات، بحثًا عن بطاقة بعينها
لتصادفني عينا جياكوميتي
المليئتان بالحنان وبشيء ناءٍ
عيناه محبتان وفارغتان
لكن ليس من العدم
وليس للأسباب المعتادة
لكن لأنه كان يعمل.

معبد روثكو تشابل الفارغ،
تمثال صافو الرديء في مدينة مايتلين،
الشمس القديمة، 
تماثيل الرجال الأربعة في حديقة دايفيد،
بأفواهها الملطخة،
والماء المنبجس من ظهورها،
كل واحد منها مرهون بما يمكن للفن أن يحققه،
إله النهر المكسور،
جسد فقط،
فتاة تلعب بأرانبها في سريرها،
بطاقة بريدية لعاصفة صيفية هبَّت على ولاية أيوا.










Sunday, February 17, 2019

آكل آيس كريم بالشوكولاتة وأقرأ ماياكوفسكي




آكل آيس كريم بالشوكولاتة وأقرأ ماياكوفسكي

باربرا جيست
(1920-2006)





منذ أن قررت الثورة على حياتي
منذ
أن قررت
الثورة
على الحياة
يا له من وقت مبكر!
إنها الثامنة صباحًا.. استيقظ الحَمام مبكرًا

هل أكلت كل بيضك؟

الآن سنذهب في رحلة طويلة

الآن؟ الجو بارد للغاية!

سيعجبني شكل الثلج على معطفك

إنه وقت الحساء الساخن

بعد عمل ثلاث ساعات متصلة
لقد كتبت ثمان وأربعين قصيدة،
 لا تسع وأربعين ولا خمسين.
كم عدد الولايات؟
لا أذكر ما يوحّد أمريكا
حان وقت قيلولتك
لقد حلمت لتوي حلمًا جميلاً!
لكني أحب الاستيقاظ بطريقة أفضل
وأنا أحب وجود الثلج على معطفي
هل تريد حليبًا أو ليمونًا على الشاي؟
لا سكر؟
ولا سجائر كذلك
النهار جيد. لكن الليل أفضل
أحب نقاشاتنا المسائية
أمس تحدثنا عن كانط
دعنا نتحدث عن هيجل الليلة
وربما نصل إلى ماركس في أسبوع آخر
يا سلام!
متعة الحياة شخص لديه يدان كادحتان
عشاء؟ ناضج ومطبوخ على نار هادئة. لذيذ
حسنٌ.. ربما كوب من الحليب فقط
إنها التاسعة مساءً.. حان وقت الاستحمام
صابون ومنشفة نظيفة 
حان وقت النوم
الجيش الأحمر متقدم الليلة
سيتمشى الجنود في أحلامي
بأحذيتهم اللامعة الجديدة
وقمصانهم المغسولة جيدًا
نُظفت من بقع الكافيار والشمبانيا والقبلات
يردون على تليفونات المئات من الحمر والصفر والزرق والبيض
كم يبدون سعداء وراضين وجيدي التغذية
يستلقون على أرائكهم المغطاة بالفرو
يغنون "روسيا كم أنت طيبة معنا.. كم أنت طيبة مع الجميع.. نريد أن نعيش إلى الأبد.."
قبل أن أستيقظ سيطوحون مسدساتهم بعيدًا
وبشكل سحري ستظهر المصانع حيث كانت هناك ذات مرة نيران البنادق
ستظهر مصانع الروليت حيث كان سقط جسد، ذات مرة، من نافذة مفتوحة
عزيزي الحلم.. أسرع
أنا أنتظرك
تحت اللحاف
وسيكون غدًا أكثر واقعية.. ربما من أمس.







Friday, November 9, 2018

قطارُ قد يخفي قطارًا آخر! كينيث كوك







كينيث كوك (1925 -2002 )
قد يخفي أحد القطارات قطارًا آخر
(يافطة على مزلقان للسكة الحديد في كينيا)

في قصيدة، قد يخفي سطرٌ سطرًا آخر،
كما في أحد مفارق الطرق قد يخفي قطارُ قطارًا آخر.
فإذا كنت في انتظار عبور المفارق،
انتظر لحظة واحدة؛ على الأقل ليمر القطار الأول.
وهكذا عندما تقرأ،
انتظر حتى تقرأ السطر التالي،
عندها سيكون استمرارك في القراءة آمنًا.
في إحدى العائلات، قد تخفي أختٌ أخرى،
لذلك، عندما تغازل، من الأفضل أن تراهن جميعًا،
وإلا ستختار واحدة تحب شخصًا آخر.
قد يخفي أبُ أو أخ، رجل حياتك،
إذا كنت امرأة، امرأة تنتظر الحب.
دائمًا يقف شيء أمام آخر،
كما تقف الكلمات أمام الأشياء والمشاعر والأفكار.
قد تخفي أمنية أخرى.
وقد تخفي سمعة شخص سمعة آخر.
قد يخفي كلبُ كلبًا آخر،
على العشب مثلاً، إن هربت من الكلب الأول، فلست آمنًا بالضرورة.
قد تخفي زهرة ليلك زهرة ليلك أخرى،
قد تخفي المزيد من الليلك في حديقة آبيا انتيكا.
قد يخفي قبرٌ عددًا من القبور الأخرى.
 في الحب، قد يخفي عتابُ عتابًا آخر،
قد تخفي شكوى صغيرة أخرى كبيرة.
قد يخفي ظلم ظلمًا آخر،
قد يخفي زي أحمر صارخ آخر، وآخر،
قد يخفي الطابور بأكمله.
قد يخفي استحمامُ استحمامًا آخر
مثلما يخرج المرء ليتمشى تحت المطر بعد الاستحمام.
قد تخفي فكرةٌ فكرةً أخرى: الحياة بسيطة..
ومخابئ الحياة معقدة بشكل لا يصدق،
 كما هو الحال في نثر جيرترود شتاين؛
تخفي جملةٌ أخرى، والأخرى كذلك قد تخفي أخرى.
 في المختبر قد يخفي اختراع اختراعًا آخر،
قد تخفي إحدى الأمسيات أمسية أخرى، ظلاً، عشًّا من الظلال.
وضربة فرشاة حمراء داكنة، أو زرقاء، أو أرجوانية -
هذه لوحة رسمها شخص ما مقلدًا ماتيس.
هذه الأزواج المخفية، أو أحيانًا، التشابه،
قد ينتظرها شخص على الطرقات كي يمر.
 توأم متطابق قد يخفي آخر. وقد يكون هناك المزيد!
طبيب مولد يحدّق إلى وادي ڤار حيث كنا نعيش، أنا وزوجتي،
لكن حياة أخفت حياة أخرى. والآن ذهبت هي، وأنا هنا.
أم مرحة تخفي ابنة بلهاء. الابنة تخفي ابنتها المرحة بدورها،
في محطة سكة حديد، وابنتها تحمل حقيبة أكبر من حقيبة أمها، وتخفيها بنجاح.
حين يعرض المرء حمل حقيبة الابنة، يجد نفسه في مواجهة حقيبة الأم، ساعتها يجب أن يحملها أيضًا.
وعليه ربما يخفي مسافرُ عابر مسافرًا آخر عمدًا.
وقد يخفي كوب من القهوة كوبًا آخر أيضًا، حتى تبلغ إثارة الشخص مداها.
ربما يخفي حبٌ حبًّا آخر أو الحب نفسه،
عندما يصبح لكلمة "أحبك" رنينًا مزيفًا،
ويكتشف المرء أن أفضل حب مختبئ وراء أصبع؛
كما هو الحال عندما تخفي جملة "أنا مليء بالشكوك" جملة "أنا متأكد من شيء ما، وها هو ذا".
وقد يخفي حلم حلمًا آخر كما هو معروف، وهذا يحدث دائمًا أيضًا.
 في جنات عدن؛ قد يخفي آدم وحواء آدم وحواء الحقيقيين،
قد تخفي أورشليم أورشليم أخرى.
عندما تقترب من شيء ما توقف، ودعه يمر،
كي تستطيع أن ترى ما إذا كان هناك آخر.
 في المنزل، أينما كان، المسارات الداخلية تشكل مخاطر أيضًا:
بالتأكيد قد تخفي ذاكرة ٌ ذاكرةً أخرى، وهذا هو كل ما تفعله الذاكرة،
التعاقب العكسي الأبدي للكينونات المتوقعة.
أن تقرأ رواية "رحلة عاطفية" لتريسترام شاندي، ثم تنظر حولك حين تنتهي لترى إن كانت هناك،
ينبغي أن تكون هناك، أقوى، وأكثر عمقًا،
مثلما تخفي كنيسة سانتا ماريا ماجيوري كنائس مماثلة في روما.
قد يخفي رصيف رصيفًا آخر،
كما لو كنت نائما هناك، وتحفي أغنية أغنيةً أخرى،
 وطَرْق في الطابق العلوي يخفي ضرب الطبول.
قد يخفي صديق صديقًا آخر.
  قد تجلس تحت شجرة مع أحدهم،
وعندما تنهض لتغادر تجد أن هناك آخر تفضل التحدث معه طول الوقت.
قد يخفي معلم، طبيب، نشوة، مرض، امرأة، رجل، آخر.
 توقف لتسمح للأول بالمرور، أنت تعتقد الآن أنك ستمر بأمان، لكنك ستصطدم بالثاني،
ربما يكون من المهم أن تنتظر، للحظة على الأقل، لترى ما يوجد هناك فعلاً.




علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...