Friday, August 23, 2024

بين الكاتب والمحرر: عن روبرت جوتليب


 روبرت آدمز جوتليب (29 أبريل 1931 - 14 يونيو 2023) كاتب ومحرر أمريكي. كان 

رئيسا لتحرير دور نشر سايمون وشوستر، وألفريد أ. كنوبف، ونيويوركر




 چوزيف هيلر

عندما أنهيت روايتي الثانية "حدث شيء ما" أجرت صحيفة نيويورك تايمز مقابلة معي حول الكتاب، فتحدثت معهم عن قيمة بوب بالنسبة لي كمحرر. ويوم أن نُشرت المقابلة، اتصل بي بوب وقال لي إنه لا يعتقد أنها فكرة جيدة أن أتحدث عن التحرير ومساهمات المحرر، لأن الجمهور يحب أن يعتقد أن كل شيء في الكتاب هو صنيعة المؤلف مباشرة. هذا صحيح، ومنذ ذلك الوقت، لم أفعل ذلك


روبرت جوتليب

بالطبع، إذا قال أي شخص أشياء لطيفة عني في الميديا فهذا أمر لطيف. لكن الحقيقة أن هذا التمجيد للمحررين، الذي كنتُ مثالاً متطرفًا له، ليس أمرًا مفيدًا. ينبغي أن تكون علاقة المحرر بالكتاب غير مرئية. فآخر شيء قد يرغب أي شخص يقرأ رواية چين آير على سبيل المثال أن يعرف أنني أقنعت شارلوت برونتي بأن السيدة روشستر يجب أن تحترق. لطالما أزعجتني أشهر حالة من حالات التدخل التحريري في الأدب الإنجليزي، وهي أن صديق [تشارلز] ديكنز، بولوير ليتون نصحه بتغيير نهاية رواية "توقعات عظيمة": لا أريد أن أعرف ذلك! 

كناقد بالطبع، كمؤرخ أدبي، أنا مهتم، لكن كقارئ، أجد الأمر مقلقًا للغاية. لا ينبغي لأحد أن يعرف ما قلته لچو هيلر ومدى امتنانه لي، إن كان ممتنًا. هذه أمور من غير اللائق أن يعرفها القارئ، وفي .غير محلها


هيلر

 تضمنت اقتراحات بوب لرواية كاتش 22 الكثير من العمل. يوجد فصل كان في الصفحة مائتين أو ثلاثمئة من المخطوطة؛ أعتقد أنه فصل العقيد كازكارت؛ أو فصل الرائد، وقد قال بوب إنه أحب هذا الفصل، لكن من المؤسف أننا لم نصل إليه في وقت مبكر. وافقته، واختصرت نحو خمسين أو ستين صفحة من الافتتاحية فقط لأصل إلى هناك بسرعة أكبر

دوريس ليسينج

ما يجعل بوب محررًا عظيمًا، وربما أفضل محرر في عصره، هو أنه قرأ كل شيء، وهو غارق في أفضل ما قيل وتم التفكير فيه، ثم وضع هذا الثقل من الخبرة في الاعتبار وهو يحكم على أعمال مؤلفيه. قد تعتقد أن هذه الخلفية أمرًا مفروغًا منه. حسنًا، في يوم من الأيام، كان يمكن للمرء أن يفترض أن المحرر في دار نشر جادة قد قرأ، ويمكنه إجراء مقارنات. ولكن هذا ما لا تجده هذه الأيام في دور النشر


جوتليب

يمكن للكثير من الأشياء التي لا يفكر فيها المرء عادةً أن تؤثر على تجربة القراءة. فالطريقة التي تنظم بها الكتاب، على سبيل المثال، سواء قسمته إلى فصول أو قرأته على مرة واحدة، أو وضعت عناوين للفصول… قبل سنوات حررت رواية رائعة أصبحت فيما بعد فيلمًا ناجحًا، وهي رواية ليليث، للكاتب چ. ر. سالامانكا. كان كتابًا قويًا ومؤثرًا، والشخصية التي هيمنت عليه، وأشعلت شرارته اسمها ليليث، لكنها لم تظهر على الإطلاق في الصفحات الستين أو الثمانين الأولى. لا أتذكر ماذا كان العنوان الأصلي، لكنني اقترحت على چاك أن يغيره إلى ليليث، إذ بهذه الطريقة في الصفحات الافتتاحية للكتاب وقبل أن تظهر ليليث، كان القارئ يتوقع ظهورها. لذا فقد صنع مجرد تغيير العنوان توترًا لم يكن ليوجد لولا ذلك

..

چون لو كاريه

سيخبرني بوب كيف يقرأ قصة ما، وأين يشعر بخيبة أمل طفيفة، وأين يكون الإشباع على غير ما توقع، وهكذا. يظل الأمر فضفاضًا جدًا. يقول لي: سأرسم خطًّا متموجًا على هذه الصفحات؛ التي هي بالنسبة لي،غنائية للغاية، ووعيه الذاتي مبالغ فيه. سأقول، طيب، في الوقت الحالي أنا لا أوافقه الرأي لأنني مغرم بكل كلمة كتبتها، لكنني سأراجعها وألعق جراحي، وسنرى ما سيحدث. أو سيقول شيئًا مثل، في الواقع لم تكن بحاجة إلى هذا المقطع الجميل من الوصف هنا… أعتقد أنه مزعج حقًا. فهو، كقاعدة عامة، ليس لديه أي خلاف مع شخصياتي، على الرغم من أنه شعر دائمًا بأنني أضعف في التعامل مع الفتيات أكثر من الفتيان، وأعتقد أن هذا صحيح. في بعض الأحيان سأقول له إنني لا أوافقه الرأي، وفي هذه الحال سنترك الأمر معلقًا حتى أدرك أنه على حق. لم أندم في أي حالة من الحالات على الأخذ بنصيحة بوب. فقد كان دائمًا محقًا في كل الأمور الكبيرة

سينثيا أوزيك

أصبح بوب محرري عندما توفي ديڤيد سيجال، الذي كان محرري وحبيبي في كنوبف، عن عمر يناهز الثانية والأربعين إثر نوبة قلبية قبل عيد الميلاد عام 1970. في اليوم نفسه، أو في غضون أسبوع، وُلدت إليزابيث ابنة بوب وماريا. اتصل بي بوب من المستشفى بعد ولادتها مباشرة وقال: لا تقلقي، لست وحدك، لقد رحل محررك، لكنني هنا، وسأكون محررك وسأنشر لك.. لا تشعري بأنك مهجورة أو ضائعة. لقد كانت واحدة من أكثر ممارسات الكرم المذهلة التي صادفتها في حياتي. حدث ذلك في خضم الولادة والموت والحيرة والحزن. والآن، في كثير من الأحيان، عندما أكتب، يراودني ما يشبه العصفور جالسًا على كتفي الأيمن، عصفور ساهر ينظر من فوق كتفي إلى ما أفعله. أريد موافقة ذلك الطائر ، عليَّ أن أحصل عليها. وهو عصفور ناقد للغاية، وهذا عبء بطريقة ما، لكنه يمنحني الإذن أيضًا. هذا الطائر هو عقل بوب جوتليب. إنه هو من أقدم له ما أعمل عليه عندما أنتهي، وهو الذي أريد أن أرضيه، بل أكثر من الإرضاء، الإشباع.


توني موريسون

في ذهني؛ لا أكتب أبدًا مع بوب، سيكون ذلك سيئًا للغاية بالنسبة لي فهو ليس القارئ المثالي للمنتج بل المحرر المثالي له.




Tuesday, June 7, 2022

علبة سجائر ماو تسي تونج

 كينزابورو أوي



في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن الأمريكية اليابانية، وكنت الأصغر بين الخمسة.
 
قابلناه في وقت متأخر للغاية؛ في الواحدة صباحًا.. قادونا إلى حديقة مظلمة، وكان الظلام حالكًا إلى درجة أننا لم نتمكن من رؤية زهور الياسمين المنتشرة في الحديقة، لكننا على الأقل كنا نشم رائحتها. وتمازحنا قائلين إننا إذا اتبعنا رائحة الياسمين، فسنصل إلى ماو. 
كان ماو رجلاً مثيرًا للإعجاب، ضخمًا بشكل غير عادي، خصوصًا بالمقاييس الآسيوية. لم يُسمح لنا بطرح الأسئلة، ولم يتحدث إلينا مباشرة، بل خاطب رئيس الوزراء، تشوان لاي. وظل طول اللقاء يقتبس من كتبه اقتباسات مملة جدًا.. كان مع ماو علبة سجائر ضخمة ويدخن بشراهة. وبينما يتحدثان، كان تشوان يمازح ماو بإبعاد علبة السجائر عن متناول يده، وماو يمد يده ويستعيدها مجددًا..


وفي العام التالي أجريت مقابلة مع سارتر، وكانت المرة الأولى لي في باريس..   سكنت فيغرفة صغيرة في سان چيرمان دي بري، وأول ما سمعت من أصوات كانت هتافات المتظاهرين بالخارج وهم يهتفون "السلام للجزائر!" 
سارتر شخصية رئيسية في حياتي.. لكنه مثل ماو، كرر الاقتباس من المقولات التي نشرها بالفعل في كتبه؛ عن أن "الوجودية هي الإنسانية في المواقف"، لذلك توقفت عن تدوين الملاحظات خلفه، واكتفيت بتدوين عناوين الكتب.. كما صرح أنه يجب على الناس معارضة الحرب النووية، لكنه يؤيد امتلاك الصين لأسلحة نووية! وقد عارضت بشدة امتلاك أي كان أسلحة نووية، لكنني لم أتمكن من الاشتباك مع سارتر في هذه النقطة؛ إذ كان رده "السؤال التالي؟"!

 

 جزء من حوار نشر في باريس ريفيو، شتاء 2007

Thursday, November 19, 2020

أوراق الخريف. فريدريك سيديل

 









أوراق الخريف

 

غطّس الكابوريا الحية في الماء المغلي،

واتركها تصرخ،

سيتحول كلاكما إلى اللون الأحمر،

طبعًا سيكون عليك أكلها ميتة،

محتمل أن تكون هناك بطارخ غير مخصبة، ستتحول أيضًا إلى الأحمر،

بطارخ لذيذة خبيثة تسمى مرجان،

بقدر برودة المحيط الذي جاءت منه الكابوريا، بقدر حلاوة اللحم المسلوق في مخ ساخن،

وفي النهاية، الكابوريا مثل أوراق الخريف،

غير قادرة على ضبط نفسها،

لا تعرف أن العذاب هو التحول شيئًا آخر، حين لا يكون ذلك في نيتك يقينًا!

 

هذه الغرفة يجب أن تكون غرفة النوم،

لكن لها رائحة فأر اصطاده الفخ،

وها هو ملتصق بالصمغ،

 كرجل عالق،

واقف على سقف سيارته الغارقة،

أو كامرأة تمارس الحب مع نفسها أمام مرآة،

الصرخات الخافتة التي تصدر عنك وأنت تحاول الفكاك من نفسك، تتحول أفراس نهر تغني وتتنهد!

 

وقود هذه الدراجة أحادية العجلة، ناهبة العالم،

 يصير أسرع فأسرع،

إنه مجرد قوة،

ولم يعد رئيسًا للولايات المتحدة،

 

الرجل الواقف على سقف سيارته يطوح بذراعيه،

 فراشات أرض الحب تحط على القطران الطازج اللزج الحقير،

وأنا أتحول،

بعد تحول مريع مفاجئ، إلى إنسان،

أُحتضر،

أتحول شيئًا لم يكن في نيتي التحول إليه!

 

رائع أن تشاهد امرأة تستمني،

يتحوّل لون عينيك إلى الأزرق،

كأن المرأة تفعل ذلك لأجلك،

إنها تراقبك أيضًا،

وأنت مدرك أنها تفعل ذلك لأجلك،

 

تبلل تليفون الرجل الذي مازال عالقًا هناك،

فوق سقف سيارته ذات الدفع الرباعي الغارقة،

يصرخ في المدى،

ساعة اليد الجديدة، "ماركة سواتش"، على معصمي،

تُكبل المشتبه به، ليضاجع شخصًا يافعًا،

 يتلويان كحبل،

دعهما يتدليان ويلتفان،

كم هو مؤلم التحول شيئًا آخر!

 

نوع من الصراصير له رائحة العفن الخفيف، يتجول على شعر ساقين،

فيغمغم بشيء، ثم يلبس حلة أنيقة، ويخرج،

الخريف في الخارج،

الطقس الذي يحبه الناس،

المثالي تمامًا للذين يكرهون الحر،

تشرق الشمس في كل الزوايا، في الأجواء،

مخلفة هذا المنظر، وذاك النور،

فيأتي أول المستجيبين في زورق، لإنقاذ الرجل الواقف على سقف سيارته،

تُدلي الهليكوبتر بسلمها إلى الكابوريا المسلوقة،

دعني أوضح لك أمرًا؛

 لم أفهم شيئًا قط..


Sunday, April 12, 2020

عندما اضطر فوكنر إلى الكتابة عن همنجواي











مراجعة ويليام فوكنر لرواية همنجواي "العجوز والبحر"1952
في منتصف القرن العشرين، كانت القامتان الكبيرتان في المشهد الأدبي الأمريكي هما ويليام فوكنر وإرنست همنجواي؛ كلاهما يحظى بتقدير دولي، وكلاهما سيد الرواية والقصة القصيرة، وكلاهما فاز بجائزة نوبل..
ولد فوكنر في ميسيسيبي، و
قد كتب تاريخًا استعاريًا للجنوب بأسلوب دقيق وصعب. تميزت أعماله باستخدام تيار الوعي ووجهات النظر المتنوعة. كما كان يفضل الجمل الطويلة العملاقة، وسجَّل الرقم القياسي لامتلاك أطول جملة في الأدب، وفقًا لموسوعة جينيس للأرقام القياسية؛ افتح نسختك من رواية أبشالوم! أبشالوم! الفصل السادس وستجدها [جملة مكونة من 1280 كلمة!]. 
همنجواي، من ناحية أخرى، اشتهر بالنثر المتخلص من كل زخارف العصر الڤيكتوري، جمله قصيرة مقتضبة وبسيطة. وقصصه تدور حول أناس كوزموبوليتانيين منزوعي الجذور في مواقع غريبة مثل باريس أو سيرينجيتي.
إذا كتبت "فوكنر وهمنجواي" في محرك البحث المفضل لديك، فمن المحتمل أن تتعثر في هذا التراشق الشهير؛ يقول فوكنر عن همنجواي "لم يُعرف عنه مطلقًا أنه استخدم كلمة قد تجعل قارئًا يلجأ إلى القاموس!"، ويقول همنجواي "مسكين فوكنر.. هل يعتقد حقًا أن العواطف الجياشة يلزمها كلمات معقدة؟!". لم يقصد فوكنر من جملته أي إهانة، لكن همنجواي اعتبرها كذلك؛ ليكون هذا المشهد هو الأكثر قسوة في علاقتهما المعقدة.
في حين أن فوكنر وهمنجواي لم يلتقيا رسميًّا قط، إلا أنهما كانا يتراسلان بانتظام، وكان كل منهما على دراية تامة بموهبة الآخر. وكانا يتنافسان، وخصوصًا همنجواي؛ الذي كان غير واثق أكثر مما قد تتخيله عن شخصيته الذكورية. كان همنجواي دومًا ما يقول عن فوكنر "الأفضل بيننا جميعًا"، مندهشًا من قدراته الطبيعية. لكنه كما أخذ على فوكنر لجوءه إلى الحيل. مثلما كتب إلى هارڤي بريت Harvey Breit، الناقد الشهير في صحيفة نيويورك تايمز "إذا كان عليك كتابة أطول جملة في العالم لتجعل كتابك مميزًا، فإن الخطوة المقبلة لا بد وأن تكون هي استئجار بيل فيك [لاعب البيسبول الشهير] أو استخدام الأقزام".



من جانبه، لم يكن فوكنر أقل تنافسية. مع أنه صرَّح ذات مرة لصحيفة نيويورك هيرالد تريبيون واصفًا همنجواي "أعتقد أنه الأفضل بيننا".. لكنه، من ناحية أخرى، شعر بالضيق عندما أشار عليه أحد المحررين باستكتاب همنجواي ليضع مقدمة لكتابه  The Portable Faulkner في عام 1946 "يبدو لي أمرًا مريرًا أن أطلب منه كتابة مقدمة لعملي.. إن الأمر يشبه مطالبة أحد خيول السباق في منتصف السباق بالدعاية لحصان آخر في المضمار نفسه".
عندما طلب بريت من فوكنر كتابة مراجعة لرواية همنجواي "العجوز والبحر" التي صدرت في عام 1952 رفض. ومع ذلك عاد ورضخ حين طلبته منه المجلة الأدبية لجامعة لي "شيناندواه". فكتب فوكنر مديحًا حذرًا في فقرة واحدة:

أفضل أعماله.. وربما يظهر مع الوقت أنها أفضل أعمالنا جميعًا، أعني معاصريه ومعاصريّ. لقد اكتشف الله، الخالق، هذه المرة. حتى الآن صنع رجاله ونساءه أنفسهم بأنفسهم، شكَّلوا أنفسهم من طينهم الخاص؛ كانت انتصاراتهم وهزائمهم على أيدي بعضهم بعضًا، فقط ليثبتوا لأنفسهم، أو لبعضهم مدى الصلابة التي من الممكن أن يكونوا عليها. لكنه هذه المرة، كتب عن الشفقة: عن شيء كامن في مكان ما صنعهم جميعًا؛ الرجل العجوز الذي كان عليه أن يصطاد السمكة ثم يفقدها، السمكة التي يجب أن تصاد ثم تُفقد، أسماك القرش التي كان عليها أن تسرق العجوز سمكته. لقد صنعهم جميعًا، وأحبهم جميعًا، وأشفق عليهم جميعًا.
هذا جيد.. والحمد لله أنه مهما كان من خلق وحب وشفقة فإن هيمنجواي اكتفى بهذا.





Monday, April 6, 2020

صعوبة. ليديا دايفز










صعوبة
ليديا دايفز


على مدى سنوات كانت أمي تقول إنني أنانية وغير مهتمة وغير مسؤولة.. إلخ. وكانت معظم الوقت مستاءة مني؛ تغطي أذنيها بيديها إذا تجادلت معها، وقد فعلتْ ما في وسعها لتغييري، لكني، وعلى مدى سنوات، لم أتغير. وحتى لو تغيرت فلست متأكدة من ذلك، لأن اللحظة التي تقول فيها أمي "أنت لم تعودي أنانية وغير مسؤولة وغير مهتمة.. إلخ" لم تأت بعد. الآن أنا التي أقول لنفسي "لماذا لا تفكرين في الآخرين أولاً، لماذا لا تهتمين بما يجب عليك فعله، لماذا لا تتذكرين ما يجب إنجازه؟". أنا مستاءة، ومتعاطفة مع أمي، كم أنا صعبة! لكني لا أستطيع أن أخبرها بذلك، لأنه في الوقت نفسه الذي أود أن أخبرها فيه بذلك، أنا هنا، أكلمها في التليفون، وأستمع إليها مستعدة للدفاع عن نفسي.

Tuesday, December 31, 2019

بحثًا عن كل منا..






بحثًا عن كل منا

ليندا جريج
1942-2019



أفتح صندوق بطاقاتي البريدية
وأقلّب فيه، بحثًا عن دي كريكو
لأني أتذكر رؤيتك واقفًا تواجه جدارًا
لا يزيد عن عمود 
بينما عن يسارك قاعة
تراجعت إلى الخلف.. إلى الظلام
والأرضية تنزلق تحتك.. حيث تقف وحيدًا
بينما انفتحت عن يمينك قاعة
مليئة بأناس كانوا يستمعون إليك وأنت تقرأ
وها هم الآن يستمعون إلى الشاعر الآخر

كنت أبحث عن دي كريكو بسبب الأماكن
الأماكن الفارغة
تخطر ببالي كلمة "شارع/ boulevard
وأنا أقف إلى جانب نوافير باريس
والماء يتناثر عليَّ حين كنت في الخامسة عشرة!

كنا في الليل
كنت وحدي وقد عمَّ الظلام.. 
لماذا لم تجدني؟
لماذا لم يجدني أي شخص خلال كل هذه السنوات؟
كان الحب يأتي على شكل نقاء. فن. معمار. وربما قطار!
ربما أنكرني ظل التمثال.. ربما أنكرني التمثال ومقدمته،
ربما الفتاة الصغيرة التي تلعب وحدها ستسمع حتى أصوات الحجارة الصغيرة ترن وهي ترتطم بالحيطان،

أُقلِّب في البطاقات، بحثًا عن بطاقة بعينها
لتصادفني عينا چياكوميتي
المليئتان بالحنان وبشيء ناءٍ
عيناه محبتان وفارغتان
ليس من العدم
وليس للأسباب المعتادة
لكن لأنه كان يعمل.

معبد روثكو تشابل الفارغ،
تمثال صافو الرديء في مدينة مايتلين،
الشمس القديمة، 
تماثيل الرجال الأربعة في حديقة دايڤيد،
بأفواهها الملطخة،
والماء المنبجس من ظهورها،
كل واحد منها مرهون بما يمكن للفن أن يحققه،
إله النهر المكسور،
جسد فقط،
فتاة تلعب بأرانبها في سريرها،
بطاقة بريدية لعاصفة صيفية هبَّت على ولاية أيوا.










Sunday, February 17, 2019

آكل آيس كريم بالشوكولاتة وأقرأ ماياكوفسكي




آكل آيس كريم بالشوكولاتة وأقرأ ماياكوفسكي

باربرا جيست
(1920-2006)





منذ أن قررت الثورة على حياتي
منذ
أن قررت
الثورة
على الحياة
يا له من وقت مبكر!
إنها الثامنة صباحًا.. استيقظ الحَمام مبكرًا

هل أكلت كل بيضك؟

الآن سنذهب في رحلة طويلة

الآن؟ الجو بارد للغاية!

سيعجبني شكل الثلج على معطفك

إنه وقت الحساء الساخن

بعد عمل ثلاث ساعات متصلة
لقد كتبت ثمان وأربعين قصيدة،
 لا تسع وأربعين ولا خمسين.
كم عدد الولايات؟
لا أذكر ما يوحّد أمريكا
حان وقت قيلولتك
لقد حلمت لتوي حلمًا جميلاً!
لكني أحب الاستيقاظ بطريقة أفضل
وأنا أحب وجود الثلج على معطفي
هل تريد حليبًا أو ليمونًا على الشاي؟
لا سكر؟
ولا سجائر كذلك
النهار جيد. لكن الليل أفضل
أحب نقاشاتنا المسائية
أمس تحدثنا عن كانط
دعنا نتحدث عن هيجل الليلة
وربما نصل إلى ماركس في أسبوع آخر
يا سلام!
متعة الحياة شخص لديه يدان كادحتان
عشاء؟ ناضج ومطبوخ على نار هادئة. لذيذ
حسنٌ.. ربما كوب من الحليب فقط
إنها التاسعة مساءً.. حان وقت الاستحمام
صابون ومنشفة نظيفة 
حان وقت النوم
الجيش الأحمر متقدم الليلة
سيتمشى الجنود في أحلامي
بأحذيتهم اللامعة الجديدة
وقمصانهم المغسولة جيدًا
نُظفت من بقع الكافيار والشمبانيا والقبلات
يردون على تليفونات المئات من الحمر والصفر والزرق والبيض
كم يبدون سعداء وراضين وجيدي التغذية
يستلقون على أرائكهم المغطاة بالفرو
يغنون "روسيا كم أنت طيبة معنا.. كم أنت طيبة مع الجميع.. نريد أن نعيش إلى الأبد.."
قبل أن أستيقظ سيطوحون مسدساتهم بعيدًا
وبشكل سحري ستظهر المصانع حيث كانت هناك ذات مرة نيران البنادق
ستظهر مصانع الروليت حيث كان سقط جسد، ذات مرة، من نافذة مفتوحة
عزيزي الحلم.. أسرع
أنا أنتظرك
تحت اللحاف
وسيكون غدًا أكثر واقعية.. ربما من أمس.







بين الكاتب والمحرر: عن روبرت جوتليب

 روبرت آدمز جوتليب (29 أبريل 1931 - 14 يونيو 2023) كاتب ومحرر أمريكي. كان  رئ يسا لتحرير دور نشر سايمون وشوستر، وألفريد أ. كنوبف، ونيويوركر ...