Tuesday, June 13, 2017

ليديا دايفز.... الشوكة


ليديا دايفز
قبل سنوات عديدة، كنا، زوجي وأنا، نعيش في باريس، ونترجم كتب الفن، وأيا كان ما نجنيه من مال كنا ننفقه على الأفلام والطعام، ذهبنا تقريبًا لمشاهدة كل الأفلام الأمريكية القديمة، التي كانت واسعة الانتشار هناك، ولأن كلينا لا يجيد الطهو، والوجبات في المطاعم كانت رخيصة، كنا نقضي معظم أوقاتنا في الخارج. ذات ليلة أعددت سمك فيليه للعشاء، لا يفترض طبعًا أن يحتوي الفيليه على أي شوك، لكن إحدى هذه القطع كان فيها شوكة صغيرة، لأن زوجي ابتلعها ووقفت في حلقه، لم يحدث هذا لأحد منا من قبل، على الرغم من أننا كنا دوما قلقين من أن يحدث، أعطيته خبزًا ليأكله، وشرب أكوابًا من الماء، لكن الشوكة ظلت عالقة في حلقه، ولم تتحرك. بعد عدة ساعات من الألم الشديد، تعاظم شعورنا بعدم الارتياح، غادرنا الشقة ومشينا في شوارع باريس المظلمة بحثًا عن مساعدة، في البداية توجهنا إلى شقة قريبة في الدور الأرضي تسكنها ممرضة وجهتنا إلى المستشفى، وبعد بعض اللف وجدنا المستشفى في شارع فوجيرار. كان المستشفى قديمًا ومظلمًا إلى حد كبير، كما لو أنه مهجور.
في الداخل، انتظرت على كرسي قابل للطي في ردهة واسعة قبالة المدخل الأمامي، بينما كان زوجي خلف باب مغلق مجاور، في صحبة عدة ممرضات أردن مساعدته لكنهن لم يستطعن أكثر من رش حلقه والتراجع ضاحكات، هو أيضًا كان يقهقه، ولم أعرف على ماذا كانوا يضحكون. ثم جاء طبيب شاب، وأخذنا إلى طوابق أسفل، مررنا بممرات مهجورة على جانبي أرضية المستشفى المظلم، إلى جناح خال يحتوي على غرف كشف أخرى حيث ترك أدوات الفحص الخاصة به، كانت لكل أداة زاوية اعوجاج مختلفة، لكن كلها كانت تنتهي بخطاف، وتحت بقعة الضوء الوحيدة في الغرفة المظلمة، أدخل واحدة من أدواته تلو الأخرى في حلق زوجي بحماسة واهتمام شديدين، وفي كل مرة كان يدخل أداة من أدواته في حلقه كان زوجي يتقيأ ويطوح بيديه في الهواء. وأخيرًا، التقط الطبيب الشوكة الصغيرة وأراها لنا في فخر، فابتسمنا جميعًا وهنأنا بعضنا البعض. أخذنا الطبيب ثانية عبر الممرات الخالية إلى الخارج، تحت المدخل المحدب الذي صمم ليناسب عربات تجرها الخيول، وظللنا هناك نثرثر لدقائق، ننظر حولنا إلى شوارع الحي الخالية ثم تصافحنا، وعدنا إلى البيت. مضى أكثر من عشر سنوات على تلك الحادثة، وانفصلنا زوجي وأنا، وذهب كل منا في طريق، لكن من وقتها حتى الآن، كلما التقينا نتذكر ذاك الطبيب الشاب " الطبيب اليهودي العظيم" كما يقول زوجي، الذي كان يهوديًا هو الآخر.

No comments:

Post a Comment

علبة سجائر ماو تسي تونج

  في عام 1960 كنت جزءًا من مجموعة مؤلفة من خمسة كتاب يابانيين تم اختيارهم لزيارة الرئيس الصيني ماو.. ممثلين لحركة الاحتجاج ضد معاهدة الأمن ا...